حمزة مصطفى ||
في مقدمة كتابه "الشخصية المحمدية" يرى معروف الرصافي أن "التاريخ بيت الكذب ومناخ الضلال ومتجشم أهواء الناس, إذا نظرت فيه كنت كأني منه في كثبان من رمال الأباطيل". ليس موضوع المقال عن الرصافي ولا عن كتابه الإشكالي هذا. فلدي شخصيا وجهة نظر في هذا الكتاب سيحين وقتها. لكن مايهمني هو التاريخ بوصفه أحداثا ووقائع مقرون بعضها بأدلة ووثائق وبعضها الآخر أحاديث ومرويات. وإذا كنا ننظر الى التاريخ القديم المروي والمكتوب عبر مدوناتنا التراثية من وجهة نظر من روى ومن قال حتى قسمنا الأحاديث صحيحة وآحاد ومشكوك فيها الى غير ذلك, فإن مصيبتنا مع الحاضر أكثر تعقيدا. فالحاضر وأقصد به التواريخ القريبة للأحداث سواء كان منها مايقع في صنف التاريخ الحديث أو المعاصر, فإن الغالبية العظمى منها موثقة بعد أن وصلنا عصر التوثيق بالأوراق والصور والآن الفيديوات.
مع ذلك فإن الأخبار والمرويات تتصادم مع بعضها حد التناقض. وأزداد الأمر تعقيدا حين دخلنا عصر السوشيال ميديا التي كثر فيها ما يدخل في باب "منقول" أو "كما وردني" أو الفوتو شوب. سوف لن أبتعد كثيرا لكني أكاد أتفق مع الرصافي في رؤيته للتاريخ مع إنه مات قبل عصر الفيس وتويتر والواتساب وتوابعهما من مواقع التواصل. وأكاد أتفق كذلك مع رؤية الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي أسقطه الصحفي الأميركي بوب ودورود عبر ما عرف بـ "فضيحة ووترغيت". فحين قال هنري كيسنجر وزير خارجية نيسكون "إن التاريخ سيثبت إنك رئيس عظيم", رد عليه نيكسون "إن هذا يا هنري يتوقف على من يكتب التاريخ".
من هذه العبارة سأدخل الى قضية الماطور المسروق . كلنا سمعنا بالقصة المعروفة والتي قوامها أن مزارعا في إحدى القرى كان يصلي في جامع القرية التي كان يصلي فيه كل أبناء القرية. وما أن خرج من الصلاة حتى وجد أن ماطور مزرعته قد تمت سرقته, فما كان من الرجل أن قال إذا الجميع كان يصلي في الجامع فمن سرق الماطور. حتى قبل أيام وحديثي هنا عن التاريخ وطرق تدوينه بمن في ذلك حادثة سرقة هذا الماطور كنت أتصور أن هذه الحادثة مجرد مثل يروى كناية عمن يدعي التدين عبر أداء الصلاة رياء لكن صلاته لم تنهه لا عن فحشاء ولا عن منكر. غير أن الذي لفت نظري إنني وفي وقت يكاد يكون واحدا وفي كروبين مختلفين من كروبات الواتس رويت قصة الماطور المسروق بنفس التفاصيل المملة لكن البطل هذه المرة ليس مجهولا.
أحد رواة هذه الحادثة من الموصل وقال أن أحد أقربائه من الشياب كان يصلي في الجامع ومعه كل أبناء القرية لكنه فوجئ بسرقة ماطوره فقال المقولة الشهيرة "إذا كان الجميع يصلي في القرية فمن سرق ماطوري". واحد آخر وفي كروب آخر روى نفس القصة وبالتفاصيل المملة لكن بطل القصة هذه المرة من بغداد ومن منطقة المشاهدة تحديدا. لو تتبعت كروبات أخرى لوجدت أبطالا لهذه القصة من العمارة والبصرة والسليمانية والأنبار وكربلاء والسماوة وديالى. لا أعرف لماذا لم يفكر كل متهمي كل أبناء القرية بسرقة هذا الماطور بـ "الطرف الثالث" مثلا؟ لماذا تصح هذه الفرضية على كل شئ عندنا من عمليات قتل وإغتيال وإختطاف والتي يتهم فيها الطرف الثالث بينما يبدو بريئا براءة الذئب الذي لم يأكل يوسف من سرقة الماطور؟ لا أستبعد بعد 100 سنة يكتب التاريخ أن قاتل رستم هو الممثل عزيز خيون لا هلال بن علقمة التيمي تيمنا بفيلم القادسية لا .. معركة القادسية.
https://telegram.me/buratha