محمود الهاشمي ||
تعد عمليات الاغتيالات واحدة من المناهج الاساسية في عمل المخابرات لدول عديدة في العالم وفي مقدمة هؤلاء الولايات المتحدة واسرائيل .
بعض من هذه الدول ترى في عملية الاغتيال منهجا صحيحا للتخلص من خصومها بالداخل او الخارج ،لذا تصنع وتدرب فرقا محترفة لهذه المهام ،وتملك من الخبرة والجرأة ماتفوق التصور الانساني الى الوحشية ،فاغتيال قاشقچي وتقطيعه بالمناشير قد حدث مثلها العشرات ان لم نقل المئات في دولة مثل المملكة فالفريق الذي قدم بحقائبه الى تركيا وكأنه في نزهة سياحية ولم تبدُ على وجوههم اي علامة من الاضطراب او القلق حتى اثناء عملية التقطيع لجسد الرجل .
والاغتيالات انواع منها داخلية لشخصيات معارضة يُخشى اعتقالهم لاسباب سياسية او اجتماعية من قبل السلطة واخرى لعلماء ومفكرين وكتاب وقادة احزاب وسياسيين ورؤساء دول وقادة عسكريين او قادة حركات تحرر والقائمة تطول .
هناك نوع من الاغتيالات اقرب الى تسميتها ب(الفنية) حيث ليس المقصود هو الضحية الذي يتم اغتياله انما الهدف لحدث مابعد الاغتيال كانت الاجهزة المخابراتية قد هيّأت له
سبل انجاح المهمة عبر التغطية الاعلامية الواسعة وباتفاقات مسبقة ومدفوعة الثمن ناهيك عن مقبوليتها لاحداث الفتنة .
فمثلا عندما تم اغتيال رفيق الحريزي في لبنان ليس الهدف من الاغتيال شخص الحريري لذاته ،انما هو مجرد (ضحية ) لمشروع مخابراتي اسرائيلي امريكي يهدف الى اخراج القوات السورية من لبنان .
لاشك ان اختيار (الحريري ) لعملية الاغتيال جاءت ضمن مواصفات دقيقة،قابلة لاشعال الحدث والتأثير وبمواصفات محسوبة كونه رجل اعمال وسياسي ومعروف داخليا وخارجيا
وله مقبولية شعبية لدى الاوساط العامة .
تمت عملية اغتيال الحريري بشكل لايترك اي اثر جنائي ،فالتفجير كان هائلا وكافيا لمحو اي احتمال او اثر .
الاعلام وجه اصابع الاتهام الى القوات السورية والى حزب الله ،وطالب بمحاكمة دولية ، وقد تم لهم ما ارادوا حيث غادرت القوات السورية
وبعد حين غادر الاعلام مهمته ولم يعد يذكر الحادث ،وان المحكمة الدولية اكدت (لم يثبت لنا مايثبت ان احد اعضاء حزب الله وراء عملية الاغتيال )! لان المهمة ليس باغتيال الضحية (رفيق الحريري ) بل باخراج القوات السورية واغلق الملف بعد خروجهم .
وهناك امثلة كثيرة قامت بها المخابرات الاميركية في هذا المجال ولكن سأختار اخرى قريبة منا بالعراق ،حيث في عام 2019 اشتعلت تظاهرات (تشرين ) فتفاجأ المتظاهرون في ساحة الطيران والتحرير وسط العاصمة بغداد ، بعمليات قتل عبر اطلاق نار (مجهول ) ذهب ضحيته العشرات من الضحايا فيهم الكثير من عامة الناس وليس من المشاركين بالتظاهرة حيث حاؤوا للتسوق من المنطقة .
مع سقوط الضحايا ارتفع منسوب الاعلام الموالي لاميركا ووضع رقما لعدد الضحايا (700) !
المتظاهرون راحوا يطالبون بالقبض على (القتلة ) ومحاسبتهم ،وليس هنالك من يستطيع الكشف حيث ان المخطط اعد بعناية تامة ،انتهى خلال ساعة او اقل او اكثر مع ان المنطقة محاطة بالشرطة ورجال الامن وبعشرات الكامرات .
المتظاهرون مصرون على كشف (القتلة ) او اعلان استقالة حكومة عادل عبد المهدي .
لاشك ان المخطط يقضي بمعاقبة حكومة عادل عبد المهدي التي عقدت الاتفاقية مع الصين والتي احد اهم اهدافها (اعادة اعمار العراق) !
المتظاهر لايعلم باهداف الاغتيال انما هناك جهات تسير التظاهرة وفق المخطط مع اعلام ملأ الارض عويلا وبكاء على مصير الضحايا .
امام ضغط الشارع قدم عبد المهدي استقالته ،بعدها اختفى الاعلام واختفت مطالبات المتظاهرين بمحاسبة الجناة وظل الامر مجهولا حتى يومنا .
من هذا نفهم ان الضحايا الذين سقطوا بقناصات(مجهولة ) ليسوا هم الهدف من الاغتيال انما (حكومة عبد المهدي ) هو الهدف .
الحكومة التي جاءت بعد حكومة عبد المهدي
خليط غير متجانس برئاسة (مصطفى الكاظمي) ولما كان منصب رئاسة الوزراء من حصة (الشيعة ) استحوذت كتلتان من (الطائفة ) على الامتيازات ومن يومها نحن في دوامة وفوضى لكن لم نشهد من الاعلام الذين سخر جميع امكانياته لاستقالة حكومة عبد المهدي من انتقاد الحكومة الجديدة ،ولم تخرج تظاهرات (تشرين) بالدعوة لاستقالتها مع انهم لم يحصلوا على شيء يذكر !
العملية التي اعلن عنها رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي قبل ايام من ان منزله تعرض لقصف بطائرات مسيرة وانه اصيب بيده التي ظهر عليها (اللفاف الطبي)
تقع في ذات المنهج الاميركي .
اولا ان الكاظمي صدرت منه اوامر اطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بحقوقهم الانتخابية امام المنطقة الخضراء ببغداد يوم الجمعة الفائت باعتباره القائد العام للقوات المسلحة ،ولو كان دون علمه فكان عليه اعتقال القائد العسكري الذي تجاوز التوجيهات وامر باطلاق النار ،واعلن في بيان ذلك .
هناك اجماع من قبل الخبراء الامنيين استحالة وصول الطائرات المسيرة الى منزل الكاظمي في ظل وجود الدفاعات الجوية في السفارة الاميركية والتي لايبعد منزل الكاظمي عنها سواء امتار .
قد يكون الكاظمي ابلغ من قبل السفارة الاميركي او اي جهة امنية اخرى بمغادرة المنزل وفعلا هناك اخبار ان الرجل نقل اسرته الى لبنان وتواجد هو في مكان اخر وحدث الانفجار في المنزل الذي تم منع اللجان الجنائية من الوصول له ،وبدا وكأنه مكان مهجور .
الاعلام المناصر للخط الاميركي عاجل بعرض عملية الاغتيال للكاظمي وتوجيه اصابع الاتهام الى (الحشد الشعبي وفصائل المقاومة ) مع جملة تكرر مليون مرة في اليوم (الموالين لايران )! مع عملية ادانة دولية للحدث ايضاً .
لاشك ان قادة العالم ضد اي عملية اغتيال لمسؤول حكومي دون النظر الى حيثيات الحدث ،فلايجوز لاي دولة ان ترسل لجانا تحقيقية كي تتعرف على صدق او عدم صدقية عملية الاغتيال .
وبذا فان حدث (اغتيال )رئيس الوزراء حوّل مظلومية (المتظاهرين) واغتيال عدد منهم الى جهة رئيس الوزراء وان لم يصدق عراقي واحد عملية الاغتيال ،كما وجه التهمة الى فصائل المقاومة والحشد الشعبي والاحزاب والكتل المطالبة بحقوق الاصوات المسروقة وهذا هو الهدف وليس رئيس الوزراء بذاته .