حافظ آل بشارة ||
في سياق المعركة الاعلامية بين الاحتلال والمقاومة هناك تحولات سياسية مسبقة لها دور محوري في بلورة التجربة الاعلامية ، اهم تلك التحولات تحول الوعي المتمثل ب(خدعة النظام الديمقراطي) فكثير من الناس صدقوا بسهولة ان هناك نظاما ديمقراطيا وطنيا يحكم ويقرر ويتصرف بشؤون البلاد ويوفر بيىة لتداول السلطة ، والشائع ان يشارك الوطنيون الشرفاء في السلطات المختلفة بهدف دفع بعض الضرر عن الشعب وتحقيق ما يمكن من مصالحه ، الاحتلال بدوره يشجع الطبقة السياسية في البلد على تولي السلطات لسببين الاول انه يعطي للنظام الحاكم شكلا وطنيا ، والثاني انه سيحمل اؤلئك الساسة نتائج برنامج التدمير والافشال المنظم ، فهي فرصة لاسقاط مصداقية المقاومة السياسية ان وجدت ، لكن الامور تجري بهدوء ، اين الصراع السياسي المتوقع بين الوطنيين واذرع الاحتلال ؟ غاب الصراع واصبح الناس يشتمون ساسة البلد وينعتونهم بالخيانة ولا أحد يتذكر الاحتلال ولا يذكره بسوء ، في ظل هذه الخديعة الكبرى كيف سيكون شكل الاعلام خاصة بوجود شبكة النت وما احدثته من ثورة في مجال التواصل والاتصال اذ قفز الاعلام قفزة غير متوقعة ، فظهر الاعلام الرقمي واصبح المتلقي مشاركا في صناعة الرسالة الاعلامية ، فهو يتلقى الخبر او المعلومة او التحليل او الفديو ثم يعلق عليها ويعيد ارسالها الى عدد كبير من المتلقين وبذلك ينتج رسالة اعلامية جديدة ، ومع هذا التدفق تظهر انواع عديدة من الاعلام تنطلق في الفضاء الافتراضي :
1- اعلام رسمي تابع للنظام السياسي ، هدفه تلميع صورة الاحتلال وشن الحرب الناعمة ضد البلد والشعب ، واسقاط النخبة السياسية التي يختارها بعناية ، اي اسقاط القدوة والقاء اللوم عليها في كل فشل وفساد.
2- اعلام المقاومة وهو صوت القوى السياسية والشعبية الرافضة لوجود الاحتلال ، وهو اعلام حماسي تعبوي نادرا ما يهتم بالقيم المعرفية ويحاول ان يستوحي النموذج البطولي المقاوم من الدين والتأريخ والموروث القومي والوطني لاسناد رسالته وتأصيلها.
3- اعلام الانتهازيين ، وهو اعلام تلك القوى
التي تأكل مع الاحتلال وتهتف مع المقاومة ،
انها قوى النفوذ الديني والعائلي والعشائري والبرجوازي ، دينهم بلا مقاومة ، واخلاقهم بلا شجاعة ، ورموز الاصالة في اعلامهم الدلة والتنور وسوق الصفافير وعازف الربابة وليس البندقية والشهداء وخنادق المقاومة.
4- الاعلام الوبائي المشحون بالغضب والانفعال والتشفي ضد كل شيء الا الاحتلال ، عندما يكون المتلقي جزء من العملية الاعلامية يفقد الاعلام شكله الرسمي وتنهار القيود ، ويتحول الى وسيلة للتعبير عن العقد النفسية للمتلقين ، فمنهم من يشبع عقدة الحرمان من السلطة والتعبير عن اللوعة بفقدها ، او عقدة الاضطهاد ، او تصفية الحسابات الشخصية ، فتجده اعلاما سوداويا يرش الشتائم والسخرية والتسقيط والتخوين.
5- الاعلام التوصيفي وهو تقليد فاشل للاعلام النقدي الثوري ، حيث يفقد اطاره الاخلاقي فيتحول الى فن لوصف الكارثة الناتجة عن البرنامج التخريبي للاحتلال ، ووصف من يقفون وراءه ، ووصف الضحايا ، والتفنن في العرض تحريريا وتصويريا ، دون ذكر الاحتلال ولا ذكر الحل المطلوب ، ويسعى هذا النوع من الاعلام الى اسقاط القوى المشاركة في السلطة وتحميلها المسؤولية ، وتبرئة الاحتلال.
اذن كلما افرز نظام الالعوبة اشكالا سياسية جديدة وجبهات صراع مختلقة ظهر النموذج الاعلامي المعبر عن كل شكل.
بالمحصلة هناك تعزيز للاحباط واليأس ورسم بالالوان لمزيد من الدوامات الآسرة ، وحال الاعلاميين فيها كحال من قرر سرقة فرس سيد عيدان في ليلة ظلماء فاصابته شارته فكلما ابتعد عن بيت السيد وجد نفسه في نهاية المطاف مازال يدور حول مربط الفرس حتى مطلع الفجر فامسك به السيد وبدل ان يعاقبه اجلسه وافطر معه وضحك السيد وبكى اللص كثيرا حتى بلل القيمر والخبز .
https://telegram.me/buratha