الشيخ خير الدين الهادي الشبكي||
مما لا شك فيه أن رابطة الأخوة من أقوى ما يمكن أن يكتنزه الانسان؛ فالأخ هو السند الذي يغني عن كل ما سواه, ولطالما أكدت الشريعة السمحاء بقرآنها ورواياتها الشريفة وأقوال الميامين على أهمية هذه العلاقة وأبعادها الايجابية على المستوى الفردي والمجتمعي؛ إذ يمكن اعتبار الأخ من وسائل التفاؤل في الحياة ومن أسباب السعادة التي قد لا يستشعرها إلا من كان له أخ وفقده .
ولمّا كان الايمان مِيزة معتبرة بين الاديان والملل فقد نص الاسلام على أثره وبيان أهميَّته في الوسط الاسلامي, ولبيان قيمة الايمان بين المؤمنين أكد القرآن على أن المؤمنين أخوة, فقال تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة)) وفي ذلك اشارة إلى مكانة الاخوة الايمانية التي تجاوزت النَّسب والدَّم, فالتجارب أثبتت أن النسب لا قيمة له حينما يكون الدين هو الفيصل, وكم من موقف للمواجهة بين الآباء والأبناء أو بين الأخوة عند اختلافهم في الدين والعقيدة حتى أصبحوا غرباء؛ بل وأعداء, وهذا ما تجسد في معركة بدر الكبرى, إذ واجه الولد والده والأخ أخوه فلم ينفعهما رابطة النسب والدَّم.
والأخوة على ما فيها من الكرامة المعتبرة بين المؤمنين فتشدهم إلى بعضهم مع اختلافهم في الثقافة واللون والقوميَّة فجغرافية الاسلام لا تحُدُّها أرض ولا لونٌ ولا ثقافة؛ بل تجد النفوس مستأنسة بإخوّتها حتى من دون التعرف عليها وكأنها تقول بلغة أبلغ من الكلام أننا من تربة واحدة وإن انقسمت وتفرَّعت بين الامم والشعوب؛ لذلك تجدها مستعدَّة ومن دون دعوة إلى التلاقح والتلاحم للوقوف في صفِّ واحدٍ في مواجهة التحديات والمحن.
إن ما يقلق الناموس الأكبر والارواح الايمانية أن رابطة الأخوة باتت في خطر, فبعد أن كانت وساماً للمؤمنين يتزينون بها صارت في مهب الريح تحدوها المخاطر وتهددنا حماقة القوم الذين نالت منهم عصبيتهم فلم يفرِّقوا بين المصالح الفردية والمصالح المجتمعية؛ بل وصلوا إلى مرحلة الاعلان بشكل أو بآخر عن بيع إخوتهم الذين قاسموهم لقمة الصمود في أودية المحن حتى لاح بواكير النصر وانكسار الأعداء؛ فكانت زهرة الانتصار شامخة مشرقة مزيَّنة بدماء الشهداء ودموع الثكالى وأدعية الصالحين.
إن ما تشهدها الأيام من ذكرى الانتصار التاريخي يدعوا الى مزيد من التأمل بين الأخوة الذين كانوا أدوات النصر ولطالما ضربوا أروع الأمثلة في الصمود والوقوف في وجه اعتى عتاد الدنيا في العصر الحديث؛ فانكشف للعدو قوتهم المستندة إلى المرجعية الدينية والأخوة الايمانية فبادرت برسم مبادئ جديدة للحد من قوة المؤمنين بتقسيمهم واعلان بعضهم على بعض حتى ظنوا أنهم لم يكونوا أخوة في يومٍ من الأيام, وهذا يُنبؤ بمزيد من الخوف والقلق والخشية على مستقبل علاقات الأخوة فقد يصير الأمر إلى تمزيقهم وكسر شوكتهم فيكون المآل إلى انتصار الاعداء على الجزء ثم الجزء ؛ ليقول لسان حالنا أكلت يوم أكل الثور الاسود ولات حين مندب.
https://telegram.me/buratha