محمود الهاشمي ||
· بين استفهامات (احتفالات الغناء والرقص )وبين اهمال الشباب ..
كانت الاستفهامات كثيرة ،بشأن الحفلات التي اقيمت في بغداد اخيرا وغنى ورقص فيها مطربون عرب ،وحضرها عدد كبير من الشباب العراقي تجاوز ال(20) شابا لكل حفلة ،وتعمدت فضائيات بعينها الى نقل وقائع الحفلات والتعريف بها وباثمان البطاقة التي بلغت من(100-300) دولار .
الاستفهامات والاحتجاجات ملأت صفحات التواصل الاجتماعي والوكالات والمجاميع وغيرها ،وفي ثلاثة امور الاولى ان الشخصيات الفنية التي حضرت من الدعاة الى (التطبيع ) مع الصهاينة ،والثانية ان المبالغ التي انفقت على الحفلات كان من المفروض ان تبنى بها مستشفيات وخدمات ومعونات للفقراء ،والثالثة ان في حالات العري والمجون مايسيء الى قيم الدين والمجتمع .
الشباب المناصرون لتظاهرات تشرين كانوا الاكثر حضورا وتفاعلا مع الحفلات وكأنها وسيلة بالضد من خصومهم (الاسلاميين)!
ان هذا الفصل بين نوعين من المجتمع (مناصر للطرب والرقص واخر رافض ) تمثّلَ ان احد المعممين صلى امام مدخل صالة الحفلة ركعتين احتجاجا على الحفل .!
في ذات الوقت كان هناك معرض للكتاب ببغداد اقامته (دار المدى ) الذي صاحبها فخري كريم والذي استدعى شخصية فكرية (جدلية ) طالما اثنى على التطبيع مع (الصهاينة ) ونال من الثراث الاسلامي وشكك بالقدس والاقصى .
موعد اقامة هذه الحفلات ومعرض الكتاب جاء مع مواعيد متقاطعة معها في المضمون والهدف حيث شباب يرقصون ويحتفلون واخرون يرابطون على بوابة المنطقة الخضراء مطالبين بحقهم بضياع اصواتهم بالانتخابات الاخيرة وماشابها من تزوير ويتحملون وزر البرد وقسوة الظروف. كما ان هناك انتظار وتهديد وقلق بشأن قرب موعد جلاء القوات الاميركية ،
ومراسيم ذكرى استشهاد (ابطال النصر ).
الشباب الذين حضروا الحفلات دفعوا مبالغ عالية نسبة مع الشكاوى التي يتم الاعلان عنها من قبلهم عندما يظهرون على وسائل الاعلام وهم يشكون فرص العمل والفاقة وغيرها .
لا اريد ان اعلق كثيرا على هذا الموضوع لاني ارى بجميع الشباب الذين حضروا الحفلات والذين انتقدوهم هم ابناء هذا الوطن ،وليس لاحد ان يعتقد غير ذلك ،واذا ماانحرف احد عن مسار قيم الامة ،مثلما فعل الجناة الذين قتلوا وعلقوا الفتى (ميثم البطاط ) فيما كان هنالك العشرات من صوروا الجثة المعلقة دون ادنى حالة انزعاج على وجوههم وكأنهم يصورون مشهدا عابرا لاغير !
ان هذه الفوضى في تبنيات الشباب ذكورا واناثا
لاتغيرها الاعتراضات والاحتجاجات ،فالذين حضروا الحفلات تواصلوا فيما بينهم وعملوا بكل وسعهم ليحضروا كي يغيضوا (خصومهم ) ،فهو تجمع ( مناكدة ) اكثر مماهو (فني )!
وهنا نسأل ؛-من سرق ابناءنا منا ؟
عندما يتم اهمال شريحة الشباب ،من قبل الاحزاب السياسية والحكومات المتعاقبة ،بحيث لاتجد في الكتل السياسية جيلا جديدا يعوض الهرم الذي اجتاحها ،فاصبحت مجرد عناوين لاغير .
كما ان الاحزاب والكتل السياسية والحكومات المتعاقبة تحاصصت مؤسسات الدولة وجاءت بالاميين على حساب اهل الفكر والعلم والرشاد ،فمات عصب الحياة في مؤسساتنا
ولم تعد فاعلة .
كان العراق من الدول المتميزة في مجال المسرح وخاصة (الجاد ) بحيث تدرس التجربة العراقية في المعاهد الفنية بهذا المعنى ،وانتاج الاعمال الفنية من تمثيليات ودراما ومسلسلات مايغني العائلة العراقية عن الكثير من الاعمال والحفلات البعيدة عن قيمها .
قبل اكثر من عامين دخل الممثل والمخرج العراقي المعروف حمودي الحارثي (عبوسي ) الى باحة المركز الثقافي العراقي بشارع المتنبي
فكان ان احتشد حوله اغلب الحضور حتى لاتكاد تراه وهو يرد التحايا على الحشود .
الحارثي لم يعرف سوى بعمل واحد (تحت موس الحلاق ) تم انتاجه عام 1962 وليس بين الحشود من هو في هذه المواليد ،لكن العمل الناجح الاصيل يبقى في ذاكرة الامة ،ومازالت رسالة (حجي راضي ) لحظة ابداع في تاريخ الفن العراقي .
منذ عام 2003 وحتى (الان) ليس هنالك من اهتم بالفن والفنانين ،ومسارحنا ،معدة لاحتفالات الاحزاب السياسية ،دون ادنى عمل فني يذكر ،اما فنانونا فاغلبهم غادر البلد ورضي بارخص الاعمال الكوميدية مثل (البزونة كلشي عدها )وماشاكل ذلك ،واخرون ابتلعتهم (Mbc)
واحدهم (جواد الشكرچي )بطل مسرحية (الجنة تفتح ابوابها متأخرة)وغيرها .
لا اعرف سببا لاهمال المؤسسات الثقافية وكأنها في دائرة (التهمة )!
امامكم تجربة ايران بالفن حيث لايمر عام دون ان تحصد جائزة في السينما او الدراما
اما الاعمال التاريخية فلها فيها الحظوة الاولى
ويكفينا شاهدا مسلسل(يوسف)ومسلسل المختار والعشرات من امثالها .
مدير اكاديمية الفن في اايران (معمم )وحاصل على شهادة الدكتوراه من المانيا بالمسرح ،والاكاديمية الفنية ،مساحتها ومؤسساتها تتسع لمساحة محافظة كاملة تضم كل الفنون في المسرح والموسيقى والدراما والرسم والنحت وبقية الفنون الاخرى !!
لا اعرف نحن على اية جهة يمكن ان نحسب فقد اضعنا هويتنا واضعنا اجيالنا ومثلما فشلنا في ادارة الملف السياسي فشلنا في احتواء شبابنا ،الذين فضل منهم الكثير ان يلقي بنفسه في مخاطر البحار مهاجرا .
ربما يسأل البعض ؛-هل انكم اوصلتم هذه الرسالة الى الاحزاب الحاكمة ؟ اقول نعم وبشهادة الشهود فوجدنا اننا نكلم جدرانا .
اقول ايها الشباب ان الاوطان تقاس بابداع شعوبها وان صناعة الغد يصنعها من امثالكم
وان لكم آباء بنوا تجارب فنية بالمسرح والرسم
والدراما في وقت كانت الامية تصل الى 90% بين صفوف الشعب ،فهلموا لنستفيد من صبرهم وتجربتهم وهناك مؤسسات ثقافية وفنية مازالت تحتاج الى تفعيلها وبانتظار سعيكم ،فان اكثر الاعمال ابداعا هي التي تراعي قيم الامة واصالتها وتاريخها ،وليس العري سبيلا للابداع بل سبيلا للضياع .
ــــــــ
https://telegram.me/buratha