د.محمد العبادي ||
العراق يمتلك ذخيرة كبيرة من التعاليم الدينية والأعراف الإجتماعية ومن الصعب جداً إفراغ المجتمع من محتواه وجوهره الأخلاقي والإجتماعي .
لاحظنا سابقاً فشل المحاولات المحمومة للأنظمة العلمانية الإلتقاطية ومنها حزب البعث العربي الإشتراكي في سلخ المجتمع من قيمه الدينية ،وجاءت النتائج عكسية وذهبت مساعيهم أدراج الرياح.
في عصرنا الحاضر تسللت كثير من القيم الدخيلة الى مجتمعنا واستهدفت كل ماله علاقة بتاريخنا وثقافتنا ،ثم جاءوا ببديل مسخ من التحلل الأخلاقي والثقافة الهابطة .
ان المشروع تدجين المجتمع وتطويعه يقوم على إزاحة القيم الدينية والأعراف الإجتماعية من داخل المجتمع ، وذلك من خلال ترويضه وتكييفه على قبول الأفكار الغريبة والشاذة ، ويتم ذلك من خلال تطبيق (مبدأ التدرج ) من أجل تليين مواقفه وتمييعها؛ فالتطبيع مثلاً لو تم طرحه على الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق لرفضوه رفضاً قاطعاً ، لكن بعد أن عرفوا في هذا الشعب أصالة انتمائه العربي والإسلامي ودفاعه عن فلسطين ؛ عمدوا الى التدرج في ترويضه وإستبدال مواقفه الى مواقف أخرى .
ولأجله فقد أسسوا لذلك مايسمى بمؤسسات المجتمع المدني والتي تقدر بالمئات ودعموها بالمال وجعلوها تعمل تحت غطاء إعلامي أو الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ، لكن في الحقيقة فإن أغلبها يعمل ضمن المشروع الكبير في غرس الأفكار الوافدة ، وقد عرَّفت وقدّمت تلك المؤسسات بأنواعها كثير من التافهين وعملت لهم دعاية مجانية واسعة ، وندت من هؤلاء كثير من المواقف التي لاتبالي بوحدة العراق ولا تقيم وزنا للأسس الدينية والوطنية .
ليس هذا فحسب ؛بل سرّبوا للإعلام وبشكل مقصود عن قيام شخصيات عراقية معروفة بزيارات لأمريكا وإسرائيل وإطلاق تصريحات ومواقف مشبوهة من أجل أن يتأقلم معها المجتمع ويألفها.
لقد إستخدموا التدجين الإنتقائي لبعض الشخصيات وروجوا لهم ونفخوهم إعلامياً ثم إنتقلت منهم عدوى تلك التربية الى شرائح من المجتمع .
إن صعود الشخصيات العديمة أوالزعامات المبخوتة رافقه تخدير للمجتمع وعمل دؤوب على خلق ظاهرة الجهل وتعميمها ؛ بل أكثر من ذلك فقد جعلوا الكلمة العليا للجهل في تقديم كل مامن حقه التأخير ، وتأخير كل ما من حقه التقديم ، وإبعاد وشيطنة الصديق والجار الحميم ، وتقريب العدو اللد والجار الأجير والعميل .
نعم لقد تسللوا وأرسلوا إلينا آلاف الفيديوهات والمقاطع المبتذلة قبل أن يصل إلينا صوت محمد رمضان وحفلاته المتحللة، وأرسلوا إلى مجتمعنا آلاف الصور والتغريدات قبل أن يستقبلوهم اليوم بحفاوة وحرارة في حفلات الطرب الحمراء .
لعل الشاعر إبراهيم طوقان لايدري أن قصيدته ستصبح نشيداً وطنياً للعراق ولايدري أن وكلاء أمريكا والصهيونية سيمزقونها ، نعم كان الشاعر يردد : موطني ..موطني
(الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ ، هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ أَويَبيدْ ،
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا كَالعَبيدْ ...)
إن حجم الإحتلال الناعم واسع وعميق جداً ،ولاتستغربوا إن قلت أن الأسلحة الصامتة قد غزتنا في عقر دارنا واستغلت حتى التحية الصباحية والمسائية التي نؤديها لبعضنا البعض !!! .
ولم نستغرب أن زعماء القطيع قد إستغلوا حتى تظاهرات الناس النظيفة ، ودفعوا بالمومسات والتائهات والسائحات للدخول في أوساطهم وفي بعض المضارب المنصوبة والفنادق .
لقد تدرجوا في تطويع المجتمعات من خلال بعض اللقاءات الإعلامية ومايرشح منها ، ومن خلال إقامة بعض المؤتمرات والندوات ، ومن خلال المسابقات الرياضية ، ومعارض الكتاب ودعوة الشخصيات التي ليس لها مبادئ ومرتكزات تستند إليها ثم أقاموا الحفلات الماجنة ودعوة الناس إليها .
نعم تدرجوا معنا من الإعلام الى الرياضة الى الفن الى الإقتصاد وربما حالياً وسرياً الى الأمن والسياسة ثم بعد ذلك يتم التطبيع العلني الكامل كل ذلك يجري تحت رعاية السفارة الأمريكية وصواحباتها من السفارات الغربية والعربية .
إن هذه النتائج التي نراها مثل تمزيق النسيج الإجتماعي بظهور النزعات القومية والمذهبية والخلافات الحزبية ، أو رفع علم المثليين في بلاد الرافدين ،وإستضافة المطبعين ، وصلات الوصل الحميمة وربط العراق بأمريكا وحلفائها،واستهداف المخلصين والمضحين ، وإقامة الحفلات الماجنة ،والتردد على أبواب السفارات الأجنبية و..و..الخ.
إن هذه النتائج التي نراها اليوم هي ثمرة للعمل الدؤوب في تطويع المجتمع وسوقه نحو التطبيع ووضعه في خدمة المصالح الأمريكية والصهيونية .
ان هذا المقال عبارة عن شكوى قلبية ووصف لحالنا وصمتنا وعجزنا وقلّة حيلتنا ووسائلنا، وأظن أن كلمات التنديد والشجب والإستنكار التي نعلنها هي أضعف الإيمان ، وربما يخفف من ذلك أن تنبري طائفة أو جهة حقوقية في تقديم شكوى قضائية ضد أولئك الذين دعوا الى إستضافة تلك المؤتمرات والحفلات والشخصيات العديمة والمشبوهة ،لأنّ هؤلاء قد خالفوا الدستور في إنتهاك الحقوق الدينية وضرب الأعراف الإجتماعية ، وفيها تشجيع للشباب في مخالفة الآداب العامة والذوق السليم ، كما أن هناك بدائل ثقافية وفنية عن هذه الحفلات أهملتها الجهات المسؤولة ، وأراهن على وعي بعض المخلصين في محاسبة كل من له يد في التخطيط والإعداد لهذه المأدبات الخارجة عن أعرافنا وتقاليدنا .