الشيخ محمد الربيعي ||
▪️[[[ احذر من سواد الوجه بسبب الذنوب و المعصية ]]]▪️
[ فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ]
إن أعظم ما امتازت به شريعتنا الإسلامية هو تكريمها للإنسان ، فقد ارتقت به إلى حد أن أسجد الله له الملائكة .
و من نعم الله على الإنسان أيضاً أنه سخر له كل شيء في الأرض و في السماء ، فسخر له الرياح و البحار و سائر الحيوانات و الجماد و النبات ، إلا أنه طغى و تجبر و جعل من نفسه حاكماً متفرداً على هذه المخلوقات بل و الأخطر من ذلك أنه بغض أخيه الإنسان .
فقد خلق الله البشر جميعًا سواسية كأسنان المشط فلا فرق بين أبيض و أسود أو طويل و قصير أو ذكر أو أنثى أو بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، وقد جعل لكل إنسان الحرية الكاملة في اختيار دينه و وطنه و سلوكه ، ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض و لا أسود إلا بالتقوى ).
محل الشاهد :
فأذن هناك سواد يصيب الانسان في الدنيا ، عاجله و في الاخرة اجله ، و ذلك بسبب ذنوبه و جحوده بنعمة ربه و كرم و جوده ، سبحانك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين ،
اذن ليست القضيّة قضيّة صفة ذاتية عاديّة يراد منها تقييم الإنسان من ناحية ذاتية ، لأنّ طبيعة القضيّة تتصل بالجانب العام الشامل لحياة الإنسان ، أمّا ذلك الفلاح و هذا العذاب فإنّهما يبرزان بأعلى صفاتهما في مواجهة الإنسان للمصير في موقفه أمام الله عندما يتحدّد للإنسان مصيره من خلال انطباع أعماله على وجهه ، فهناك الناس الذي تبيضّ وجوههم بما عملوا من خير ، من خلال ما يمثّله من صفاء ونقاء وبياض ناصع ، و هناك الذين تسودّ وجوههم بما عملوا من شرّ ، من خلال ما يمثلّه من سواد و ظلمة و قلق ، و ذلك هو قوله تعالى: [ يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودُ وجوهٌ ] ،و هذا تعبير إيحائيّ عن الحالة الروحيّة التي تترك تأثيراتها على الصورة البارزة للإنسان من خلال عناصرها الخاصّة في الذات ، فإذا كانت الروح منفتحة على الجانب المشرق من النيّات الخيّرة و الأعمال الصالحة ، فإنّ ذلك ينعكس على إشراقة الوجه نوراً و إشراقاً وبشراً ، لأنّ هذا الإنسان لا يشكو من عقدة تثقل روحه وتشوّه صورته.
وأما إذا كانت الروح منغلقة على الخير و منفتحة على الشرّ في الدوافع والأعمال ، فإنّ الإنسان يبدو من خلالها شيطاناً في ملامحه ، معبّراً في وجهه ، مظلماً في ذاته .
و هذا ما يوحي بالحقيقة الإنسانيّة في تأثير الواقع الداخليّ في صورة الواقع الخارجيّ للإنسان ، بحيث تتمثّل ملامحه الداخليّة في ملامحه الخارجيّة في الصورة تارة ، وفي النظرة العامة لحركته تارة أخرى .
وقد عبّر الله عن ذلك بطريقة أخرى في صورة المؤمنين يوم القيامة في النور الذي يسعى بين أيديهم و بإيمانهم و ذلك هو قوله تعالى: [ يوم تبيضُّ وجوه ] ، و بإزاء هؤلاء نرى المنافقين و المنافقات غارقين في الظلمة يستجدون النور من المؤمنين و المؤمنات [ وتسودُّ وجوه ].
و تزداد الثورة وضوحاً في مواجهة الموقف ، فيبدو لنا هؤلاء الذين اسودّت وجوههم ، فإذا بنا نلمح في أوضاعهم و تقارير أعمالهم وطبيعة السؤال الإنكاريّ الذي يوجّه إليهم: [ فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ] ، صورة الناس الذين ساروا في خطّ الإيمان فترة من الزمن ، و لكنهم وقعوا تحت تأثير الضغوط الذاتيّة من الشهوات و الأطماع و الأضاليل فانحرفوا عن الخطّ ، ثم تحوّل انحرافهم إلى مواجهة مضادة للخطّ نفسه عندما فرضت عليهم ذاتيّاتهم أن يقاوموه ليرضى عنهم أولياؤهم من الكافرين و الضالين..
و في إيحاء دقيق من بعيد بأنّ على الإنسان أن لا يستسلم للثقة بإيمانه في استرخاء كسول ، يؤمن معه بأنّه لا يتزعزع مهما كانت الظروف و الضغوط ، بل ينبغي له أن يحرسه بالفكر و التأمّل و القراءة و الحوار و العمل ، لأنّ الكثيرين من الناس قد ضلّوا بعد الهدى و كفروا بعد الإيمان تحت تأثير العوامل السلبيّة المتنوعة المحيطة بهم... فحاق بهم العذاب نتيجة ذلك كلّه ، و واجهوا النداء الحاسم من الله: [ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ] .
[ و أما الذين ابيضّت وجوههم ] فقد عاشوا حياتهم مع الله ، فإذا فكّروا كان الله أوّل ما يفكّرون به في عظمة خلقه و كرمه في نعمه ، و في كلّ شيء يحيط بهم ، و إذا خطّطوا لحياتهم كان الله هو الذي يستلهمونه في رسم تلك المخططات ، و إذا واجهتهم الشهوات ، وقفوا منها وقفة التوازن التي تأخذ منها ما يبني للإنسان كيانه في ما يضرّهما ، أمّا إذا عاشوا مع الناس ، فإنّهم لا يفكّرون بأنفسهم في سجن الأنانية بل ينفتحون على الحياة الفرديّة و الاجتماعيّة للآخرين كمنطلق لممارسة المسؤوليّة المفروضة عليهم من الله في أن تكون حياتهم خيراً وبركة للآخرين ، فلا يصدر منهم أيّ ضرر أو فساد لأيّ إنسان ، وإذا وقفوا مع أنفسهم تذكّروا الله قبل ذلك فعلموا أنّهم عبيد له وعرفوا أنّ من واجبهم أن يعبدوه حقّ عبادة و يطيعوه حقّ طاعته في كلّ ما يستطيعونه و يقدرون عليه من ذلك.. فكانوا قريبين من الله في فكرهم وشعورهم و عملهم فاستحقّوا رحمته الخالدة التي يمنحها للصالحين و المجاهدين من عباده [ ففي رحمة الله هم فيها خالدون ].
اذن الانسان هو من يحدد مصيره و موقفه في الدنيا و الاخرة ، هل هو ممن تبيض وجوههم او هو ممن تسود وجوههم ، ونسأل الله حسن العاقبة .
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه