منهل عبد الأمير المرشدي ||
اصبع على الجرح .
ايام تمر وسنين توالت واحداث تواترت وزمن يتسابق ويتسارع وكأن الساعة دقائق معدودة وما الأسبوع الا يومين او ثلاثة ومثلها انحسرت ايام الشهر حيث تلاشى (راس الشهر) الذي كان ميعاد راتب الأب وعشاء دسم بدجاجة مجمدة من دكان ابو رسول مثلما تلاشت رؤوس الشوارع التي كنّا ننادي سايق السيارة عندها ( نازل راس الشارع نازل ) . وانتهت تلك الصيحات داخل السيارة من صديق او جار وهو يصيح ( واصل .. واصل ) فتطمأن ان اجرتك قد تم دفعها .
ذكريات تداعب شغاف القلب قد يستحي البعض من بعضها لكنها هوية زمن كان حلوا بصعابه ومرا بحلاوته مؤطرا بطيبة تآكلت اركانها وفطرة تلوثت اوصالها وحياء لم يعد منه الكثير في ايام السندباد وثورة الأولاد وحكومة الأوغاد .
كنا بسطاء في كل شيء حتى في كتابة الرسالة حينما كان للبريد حضور وطعم وذاكرة فنشتري ورقة وظرف لنكتب المقدمة العتيدة في كل الرسائل .. صباح الخير ان كان صباحا ومساء الخير ان كان مساء , ثم تتوالى مفردات التعبير من الدر المنثور الى اللب النقي والدر الصفي والى والى ..
قد يتذكر من يتذكر كيف كان البعض يلوح للطائرة حين تمر محلقة من فوقنا ويقول من كل قلبه مبتسما .. مع السلامة .. كان كل شيء مختلف حتى التراب حين كانت شوارعنا كلها تراب لكن تراب الأمس يختلف فحين نلعب الكرة ونحن حفاة قيضرب احدنا ضربة الجزاء فينقلع الظفر في الإبهام فلا ضير ولا ضرار فغرفة من تراب الأرض كاف لقطع الدم ولئم الجرح ولا تلوث ولا بكتريا ولا هم يحزنون .
ذاك التراب الذي كنا نرمي به خيطا فتخرج (غزالة غزلوك ) ثم نرميها لتعود الينا بذكرها واختفى ذاك التراب واختفت الغزالة كما اختفت حية ام سليمان ولا ندري من اخفاها واخفى معها سليمان واهله .
حين تعلمنا قراءة الساعة في المدرسة ورجعنا لنجيب من يسألنا كم الساعة فنقول له الكبير على الاربعة والصغير على السته .
كنا ننتظر العيد حتى نلبس ملابس جديدة التي لا يجوز ان نلبسها قبل العيد كي لا ...... علينا العيد .
نتذكر من بعض ما نتذكر حين كنا تلاميذ في الإبتدائية وكيف يشعر احدنا بقمة الفخامة حين يعطيه الاستاذ طباشير او ورقة ليوصلها الى الإستاذ في الصف الآخر فيدخل الصف الثاني كأنه مبعوث مفوض من الامم المتحدة .
كنّا نرسم الشمس في زاوية الورقة لتشع بنورها على كل الورقة اما قلب الحب فهو باللون الأحمر ولابد من سهم يخترقه من الأعلى ليخرج من الأسفل ومكتوب في كل طرف اسم الحبيب او الحبيبة .
حتى الماء كان من الحنفية يأتي صافيا طيبا وما احلاه حين نجمده في علبة حليب ديالاك الفارغة ونوزعة على الجيران الذين ليس لديهم ثلاجة .
الفة وطيبة وصفاء نوايا حتى العاشقون كانت رسال بعضهم تصل للحبيبة في علبة كبريت فارغة (شخاطة) ليرميها على عتبة باب الأميرة التي يعشقها .
كانت مفاتيح بيتنا نؤمنها عند جيراننا حين نسافر كي يكونوا حراس لبيتنا خلال غيابنا وكان الجار اخ وصديق وأمين ومصدر امان .
كان الحياء سيد الموقف وعنوان الحياة ونبراس الروح . ادب واخلاق وستر ومخافة الله وفطرة نقية سليمة صافية .
نعم كانت قلوب نظيفة وجباه مزدانة بالحياء والإستحياء وكفانا الله واياكم شرار القلوب المريضة والعقول المستهجنة انه سميع مجيب .
ـــــــ
https://telegram.me/buratha