منهل عبد الأمير المرشدي ||
· اصبع على الجرح
ما حصل من تصعيد إزاء إثر حفل المجون والإستهتار بمدينة العاب السندباد في بغداد لما يسمى بالفنان محمد رمضان المنبوذ في وطنه مصر والمطرود من نقابة الفنانين فيها أثار في مخيلتي محطات تستوطن الذاكرة من ( الزمن الجميل ) حيث كان العراقيون يعيشون اعتى سنين الحصار الذي تم فرضه على العراق بحرا وجوا وارضا بعد غزو المعتوه صدام للكويت التي كانت تدعمه بالمال والسلاح مع السعودية ودول الخليج في حربه على ايران لثمان سنين بالتمام والكمال .
أيام كانت أشبه بالكابوس حيث تحولت البطانيات القديمة الى قماصل نلبسها أو ابواب لبيوت الفقراء الذين أضطروا لبيع ابواب الغرف حتى يشتروا خبزا وباذنجان ذلك الباذنجان التى تم منحه لقب ( وحش الطاوة ) بعدما صار هو الفطور وهو الغذاء وهو العشاء مع الخبز (الأسود) بما فيه من مطحون النوى والتراب وغيره فيما هدم البعض احدى غرف البيت ليبيع حديد سقفها وطابوقها كي يقتات من ايرادها هو وعياله لا اكثر بينما سكنت (حرائر) العراق شوارع عمان في الأردن بين بائعة للرخيص او متسولة .
مفردات كثيرة قد لا يستساغ ذكر بعضها لما تحمله من مفاصل يندى لها الجبين وقد كان استاذ الفيزياء في المدرسة يذهب مبكرا لعلوة المخضّر فيعمل حمالا قبل ان يتوجه للمدرسة .
في تلك الأيام كثر في الشوارع المبتلين بالأمراض العقلية والطريف ان احدهم كان إسمه (عدي ) على اسم نجل قائد الأمة وآخر اسمه قصي لكنه مسجون في بيتهم بينما كان هناك مجنون ثالث اسمه حسوني .
طبعا ولله الحمد كانت لي علاقة مودة واحترام مع كل من يسمونهم الناس (المخابيل) لإني ارى انهم لا ذنب لهم بل هم مبتلين من الله وهو ما وطد علاقتي بهم الى حد التعرف على خصائصهم وجنبني أذية بعضهم. كان حسوني يختلف عن غيره عقلا وجنونا فهو يجيد التحدث باللغة الإنكليزية ويرتدي ملابس لائقة بعض الشيء ويقال انه اصيب بالجنون بعدما فقد حبيبته التي خذلته وتزوجت غيره .
في تلك الأيام كان تلفزيون الشباب التابع لعدي صدام يبث الأغاني الماجنة والفاحشة وفتح ابوابه لكل من يريد ان يغني اوينهق مقابل ان يدفع لهم مبلغ من المال مع بث بعض المشاهد التي تخدش حياء الناس . كنت جالسا في المقهى وجاء حسوني فلما رآني قال لي بصوت عال ( ها اخي العزيز يكولون امريكا ذبت علينا ما يعادل قنبلة هيروشيما واحنا ما صار بينه شي ) ثم ضحك وصاح . ( يا اغبياء مو ذبوا عليكم تلفزيون الشباب .
هذا اكبر من النووي .) .
سمع الجميع وسكت بلا تعليق وراح حسنوي وهو يضحك باعلى صوته . كثيرة هي تلك الحكم التي سمعتها من حسوني لكن المجال لا يتسع لها واكتفيت بهذه الحكمة لإن صوت الداعين لمدنية الداعر محمد رمضان حفز ذاكرتي .
نعم لأن ضرب قيّم المجتمع وثوابته الأخلاقية وحياء ابنائه والتزامهم السلوكي هو اخطر من كل الأسلحة النووية . من انجب لنا الحشد الشعبي الثائر الذي حفظ لنا الارض والعرض والمقدسات هي ثوابتنا الدينية ومدرستنا الحسينية وفتوى المرجعية الدينية العليا الرشيدة وليس حفلات الدواعر وحرية الشواذ وفوضى الكلاب النابحة .
أحدهم قال لي من حقك ان تتديّن وابحث لك عن بيئة لك تؤدي بها التزاماتك الدنية ودعوا لنا الحياة لنمارس حريتنا فقلت له ان العراق ليس كغيره بأرضه ومجتمعه ومقدساته شيعية وسنيّة وعليك ان تأخذ حريتكم لتمارسوها حيثما شأتم ودعوا لينا الدين والشرف والكرامة .
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha