د محمد القريشي ||
.. من هو المثقف ؟؟ هل هو الاكاديمي الذي ينتسب الى جامعة او مؤسسة اخرى ، مدرسا فيها وباحثا ؟؟ او المتنور الذي يتأمل في مجتمعه ، مفسرا ظواهره ومشاكله وواضعاً تصورات لقضاياه الشائكة ؟؟
براي لا هذا ولا ذاك ... المثقف هو كيان موسوعي حالم وحامل لمشاكل بيئته ومتمرد على الاطر المعيقة لتطورها ... وبما انه حالم بالتغيير ، فانه منخرط تلقائيا في مسارات التغيير !!
يعرف ادوارد سعيد المثقف بانه" هو الذي يملك ملكة المعارضة، ملكة رفض الركود، .."
المواقف السياسية للمثقفين تصنعها ( كتلة ثقافية صلبة )، تمتلك خطابا متناسقاً حول القضايا الاساسية العامة وفعلاً ميدانيا مترجماً لهذا الخطاب وضامناً لمصداقيته ….
..المثقف، اذاً، ليس الاكاديمي الذي يتظاهر معترضاً على اجراءات حكومية تعلقت بمكتسباته ، ولا المتخرج الذي يحتج مع رفاقه بهدف التعيين ، بل المتمرد الحالم الذي ينخرط مع الجماعة ويساهم في رسم معالم مستقبل الأجيال .. !!
واذا كانت مهمة المثقف صناعة الرأي العام والتنوير حول القضايا الاساسية لشعبه من خلال البيانات والمقالات والمواقف الساندة ، فانه لم يعد وحيدا في هذا الميدان ... ينافس المثقف ، هذا اليوم نوع آخر من "المؤثرين"…المدون…
المدون، في وسائل التواصل الاجتماعي هو الذي يكتب رسائله القصيرة وينشر افلامه المثيرة ويجني بها (لايكات) يبين عددها مدى تأثيره على الجمهور !!
وعلى خلاف المثقف يكّون المدون ناشطا ، وكاتبا بلغة بسيطة وعبارات متداولة شعبيا فيثير من خلالها عواطف الجمهور بشكل مباشر "وقابل للقياس" ويصنع نتيجة لذلك حراكات وخطابات شعبوية وقيادات ميدانية مبعثرة!!
وفي الوقت الذي يبقى خطاب السياسي التقليدي معلقاً في سطح المجتمع، ينفذ خطاب المدون الى اعماق هذا المجتمع مساهما في تراكم التغيير وصولاً الى المنعطفات … وما لحظة "تشرين" الا احد هذه "المنعطفات" !!!
المدون المعاصر اربك السلطات لانها تتعامل بأشكال تقليدية مع الاحتجاجات ولا تعلم بانها ازاء اجيال لها مفاهيم متنوعة وافاق مفتوحة وخطابات غير تقليدية !!
سأل اعلامي فرنسي اثناء احتجاجات الستر الصفراء ، ناشطة عن سبب تظاهرها على الرئيس الشرعي المنتخب ماكرون فاجابته : انا كذلك لدي شرعية متنامية تنافس شرعيته وحين انشر فكرة احصل من خلالها على الآف اللايكات…!!!!!