د . هاتف الركابي ||
لايخاطب هذا المقال المتثيقفين أو المتطفلين على الفن والادب والثقافة أو المتزلفين لخدمة أرباب السلطة الذي طفقوا يصدقون تهريجهم ، المقال يخاطب المثقفين الحقيقيين ممن شهدت لهم الساحة والمحافل بالرجاحة والمعرفة بعيداً عن تزويق السلطة والاقاربية . ففي كل بلدان العالم المتحضرة والعالم الثالث وحتى الدول التي تعرضت للحروب والدمار ، تجد أنها حاولت بشتى الطرق المحافظة على مؤسساتها الثقافية وحضارتها وتراثها لأنه يعكس تأريخها فالدولة التي ليس لها تاريخ لامعنى لوجودها .
شعرت بالاسى والحزن عندما زرت القصور الملكية للعائلة المالكة التي بنيت في العهد الملكي والبلاط الملكي والديوان وقصور الاميرات والملتقى وقد وجدتها عائمة في وسط المزابل والنفايات والخراب كما مبينة في الصور، ثم شاهدت وفي موقع مؤلم ( مسرح بغداد ) العريق الذي أنتج أفضل رموز من الكبار ( سامي عبد الحميد ، ويوسف العاني وقاسم محمد ، وابراهيم جلال ، وفاضل خليل وغيرهم ) ومسرح الزوراء ومسرح الرشيد وقد تحولت الى كراجات ومكبات للنفايات وفي مناظر لم تشهدها دولة في العالم ..
وتساءلت في نفسي ؛ هل يعقل أن هذا التراث تابع الى وزارة الثقافة ، ولماذا التعمد في عدم اعادة بناء وترميم وتنظيف تلك القصور والمسارح والبيوت التراثية وجعلها مزاراً للأمة .
ماذا قدم الوزير والوزارة وكوادرها ومدرائها لحضارة أور ولگشها والزقورة ووركائها وشبعاد وقيثارتها التي اصبحت بعد زيارة البابا مكاناً مقدساً لحج المسيحيين في العالم ، بل أن الوزير لم يكلف نفسه لاستقبال بابا الفاتيكان في الناصرية وتركه وحيداً في صحراء اور القاحلة . ولولا الآثاري ( عامر عبد الرزاق ) وبجهوده الشخصية لما عرف احد عن حضارة ذي قار من السواح الاجانب .
هل تعلم ايها الوزير عندما تذهب الى الاهوار التي دخلت التراث العالمي بأن لاتجد مكاناً سوى الاوساخ والاطيان التي تتبعثر هنا وهناك ، ماذا قدمت ايها الوزير ووكلاءك ومدراءك لأهوار الجنوب التي لولا الجهود الشخصية للدكتور عبد الامير الحمداني لما دخلت اليونيسكو.
هل عجزت ايها الوزير ووكلاءك ومدراءك عن تقديم مسابقة لشعراء العراق لاختيار ( نشيد وطني ) للعراق وابقيتمونا على نشيدٍ لايتحدث عن العراق وحضارته وشعبه رغم ان العراق زاخر بالشعراء؟!
هل يعقل ان الوزير والوزارة عاجزة عن تقديم لوحة ( العلم العراقي ) والساحة العراقية تغص باعظم الرسامين ووالتشكيليين ، وابقيتمونا على علم النظام البعثي .
هل تعرف أيها الوزير أن ( دار الاوبرا ) التي خُصصت لها من موازنة الدولة (٦٠٠ ) مليار دينار على النهر في كرادة مريم والان اصبحت مكباً للنفايات وتجمعاً للحيوانات السائبة .
لم اراك ايها الوزير يوماً ما قد دعوت الرسامين والنحاتين والشعراء والادباء والكتاب في مؤتمر ليقدموا لك وللوزارة اعمالاً تحاكي الواقع او تسمع معاناتهم وهمومهم وتلم شملهم .
هل جمعت الوزارة يوما ما كبار الفنانين والممثلين وسمعت مطالبهم وطلبت منهم ان يقدموا اعمالاً عن العراق ومسيرة الشهداء والمواقف والنصر على داعش وغيرها ، لماذا فشلتم في وضع حدٍ للمسلسلات والاعمال الهابطة التي يفاجأ بها العراقيون في كل شهر رمضان من كل سنة من ممثلين لايفقهون ابجديات التمثيل وفي مشاهد تشعرك بالخجل والخذلان في مواقف من الاسفاف والابتذال .؟!.
ألا يستحق الجواهري العظيم ايها الوزير ان تجعلوا له داراً وتضعوا فيها مقتنياته ودواوينه ليكون مزاراً ؟ ، الا يستحق الموسيقار الكبير ( نصير شمة ) الذي تدعوه الامم المتحدة ليقدم لها معزوفة من في اروع سمفونيات العالم ان تجعلوا له بيتاً وطنياً للعود ؟ ،
الا يستحق المفكر الكبير ( عزيز السيد جاسم ) ان تجعلوا داره الواقعة في الناصرية مزاراً ، ألا يستحق الموسيقار الكبير ( طالب القره غولي ) تمثالاً في باب الوزارة ؟!
ألا يستحق نصب الحرية ( التحرير ) أن تقوموا بإعادة بناءه من جديد وفي افضل بناء في العالم ، وتضعوا تمثالاً بجواره للنحات الكبير ( جواد سليم ) ؟!
ووووو ... وغيرها من المشاهد ..
ماهو عملكم يامعالي الوزير وماهي استرايجيتكم ؟ ماذا قدمتم للثقافة العراقية ؟ نعم انكم نجحتم في تقديم حفلةٍ لفنان معتوه ،، وتوزيع كتاب لمؤلفة عربية مغمورة تتهجم فيها على مكون من مكونات الشعب ،، ونجحتم في تكريمٍ لكاتبٍ يتهجم على الاديان ،، ومارستم دور ( الناطقية ) بأحسن حال ؛ وأهم شيء الوزارة الان ( وكلاء ومدراء ومستشارين ومؤسسات وهيئات وامتيازات وسيارات فارهة ) .
رسالتي الأهم الى نقابة الفنانين واتحاد الادباء والكتاب والشعراء والممثلين والصحفيين والرسامين والنحاتين، انكم للاسف تخليتم عن دوركم الحقيقي ، وأصبحتم غارقين في النفاق الاجتماعي بلا قرار ، ومطاردون كالعصافير في مدائن البكاء ومصلوبين ومكسورين مثل عشبة الخريف ،، حالمون ، خائفون ، منكفئون ، تلودون بالحيطان ، حتى وصل الحال بكم الحال الى درجة الاذلال على منحة بائسة فجعلكم الوزير بطوابير تحت زخات المطر والبرد ؛ أضعتم أمجادكم وأسفاركم وتاريخكم ، لماذا الهوان والاسترسال ، بعضكم تآمر مع صانع القرار والبعض تباغض وتنازع وتصارع وتنافس ، فرميتم أنفسكم في ضحالة الحقيقة المرّة وغموض القادم ورعب المجهول بين سذاجة الذات وتسطيح العقل .. هي تداعيات فشلكم وبؤسكم ، ماذا دهاكم وما الذي اعماكم وأخرسكم وأصمّكم وألجمكم .
تركتم الساحة للمتطفلين والمهرجين وانكفأتم على انفسكم ، تنتظرون الجمعة تأتون جماعاتٍ ووحدانا من كل زقاقٍ عميق قاصدين المتنبي وسط أكوام نفايات الرشيد ثم تطوفون حول البيت المهدوم سبعاً ، وتسعون مابين القشلة والتمثال سبعاً ، ثم تقفون على صعيد الرصافة والجسرِ تبكون على مجدٍ ضائع وسط أكوام الكتب المتهرئة والمبعثرة على قارعة الطريق ثم تطفئوا جمراتكم ثلاثاً مابين الكرادة ورضا علوان وقهوة وكتاب.. وليضيع الوطن .