الشيخ محمد الربيعي ||
كتب الامام علي بن ابي طالب ( ع ) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و هو عامله على البصرة و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها أما بعد :
يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان ، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو ،
و غنيهم مدعو .
فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به و يستضئ بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، و من طعمه بقرصيه .
ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك و لكن أعينوني بورع و اجتهاد ، و عفة و سداد .
فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا ، و لا ادخرت من غنائمها .
محل الشاهد :
هكذا هي ادارة السياسة و السلطة ، في نظر الاسلام الحقيقي و دعاة الاسلام ، واصحاب السياسية و السلطة ممن تصدوا الى القيادة تحت مسمى قادة دينهم الاسلام ، وهو يحكموا في دائرة حدود الاسلام .
هكذا القائد الاعلى ، يعلم و يربي ممن هو اقل رتبه و منصب منه ، كيف يجب ان يراعي بسلوكه و اخلاقياته ، و تحركاته الرعية ممن هم تحت دائرة رعايته و حكمه و سلطته .
ان الواقع الحقيقي ان كل امتياز يحصل عليه صاحب السلطة ، هو ليس باعتبار ذاته ، بل باعتبار موضوعه و هو ( دائرة سلطته ) ، فلولا سلطتك لم تحصل و ما كنت ستحصل على اي من تلك الامتياز ، التي تقدم لك من اصحاب النفوذ الاجتماعي و واصحاب الاموال و ما شابه ، انما جاءتك تلك حتى تستعبدك لتكون تحت ظلهم و تصرفهم ، و خصوصا ان قدمت لك تلك الامتيازات ، على حساب ظلم الفقراء و البسطاء من افراد الشعب .
هنا ارادت القيادة المؤمنة ان اتنبه لخطورة ان يكون القائد تحت تصرف اصحاب النفوذ سواء كان مالي ، او اجتماعي ، فهنا بدل ان يكون اداة الادارة العادلة لشؤون الامة ، يكون هو اداة تدار من قبل من هب ودب ، و تكون قيادة و الادارة مسلوبة الحول و القوة .
فمن هنا كان يجب على كافة القيادات و السياسيين بكافة مراتبهم و درجاتهم مراعين احكام الله تبارك و تعالى بكافة امتيازاتهم ، و ان يتساوى لديهم ابناء الامة بمستوى عدالتهم و حكمهم ، وعطاءهم و منعهم .
كما ان الامام علي ( ع ) ، يعطي دراسا مهما جدا الى القيادة العليا ، في الكيفية التي تكون بها موجهة و مؤثر ، فيمن هو داخل تحت دائرة ادارتهم ، و يكون جزءا فعالا و متنفذا فيها ، حيث يرى من الواجب على تلك الادارة و القيادة ، ان تكون اقل الناس شأن في التعامل و التصرف فيما هو من ملذات الدنيا ، و الجاعله القيادة تعيش ترف و الدعه و الراحة في قبال رعية تتلوى من الجوع و الحرمان ، فكيف للادارة و قيادة ان تكون مؤثرة في معاونيها وامتها ، وهي تعيش في مستوى يفوقهم ، بل و يشعرهم اي الامة ان تلك القيادة ، غير شاعرة بهم ، بل انها في محل السرقة و النهب لهم ، كونها ارتضت عيش الهناء ، و ارتضت لهم عيش التعساء .
محل الشاهد :
ان الدرس الذي يجب ان يتعلمه اصحاب السياسة و السلطة من مدرسة الامام علي ( ع ) ، ان من اهم اسباب نجاح الحكم ، ان تعيش القيادة ضمن مستوى اقل افراد شعبها من خلال معيشة ذاتها ، وان تصرفت ضمن دكة الحكم كموقع موضوعها و هو تصرفات السلطة فيما يخدم الامة.
ان تعيش و توصي اتباعها ، بالاتزان بمظاهر العيش فيما يجعل الشعب يطمئن انهم حكموا ليس ليغتنوا ، وانما حكموا ليعدلوا ، و الا ليس من المعقول ان تدخل الحكم بلى دار باسمك ، و تصبح ذات مئة دار بفترة حكم ، فهنا من الواضح ستفقد رعية ثقتها و اطمئنانها ، اتجاه تلك السلطة الحاكمة .
ان على السلطة الحاكمة و اتباعهم ان يكونوا اول المضحين ، و اخر المنتفعين من سلطة الحكم التي تحت ادارتهم .
السؤال الاهم :
لو سحبنا كافة الامتيازات ، او لنقول ان على المتصدي للحكم ان يحاسب بدقة و بشدة ، على كل شاردة و وارده اثناء فترة حكمة ، مع بقاء حالة بذاته على حاله ، على ما عرف به ، الا باستثناء ضروريات الحكم ، فهل يوجد من يتصدى او يقاتل من اجل الوصول لسلطة و الحكم ؟!!!
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ــــــــ
https://telegram.me/buratha