حمزة مصطفى ||
حين نشر فرانسيس فوكاياما كتابه "نهاية التاريخ" أوائل تسعينات القرن الماضي كان فلاديمير بوتين مجرد ضابط مخابرات في الكي جي بي. ولأن بوتين الذي عاصر كضابط شاب في الكي بي جي سقوط جدار برلين وإنهيار الإتحاد السوفياتي لاتهمه النظريات والأفكار بقدر مايهمه الهمة والعمل. حين كان فوكاياما يتفلسف ربما كان بوتين مجرد سائق تاكسي كما أعلن مؤخرا.لم يفصح الكثير عن تلك الفترة من حياته بين العمل في جهاز المخابرات الروسي أيام الحرب الباردة أو سائقا للتاكسي. ومن يدري فقد يكون عمله هذا جزء من مهمته المخابراتية. وبينما تسرع فوكاياما بشأن إنتصار الرأسمالية وهزيمة الإشتراكية, فإن بوتين أسرع في مداواة جروح تلك الإمبراطورية التي إنهارت بغمضة عين من مراجعات غورباتشوف ومكاشفاته وتهور يالتسين الذي ماكان يصلح حتى لقيادة تاكسي مسكوفيج.
لم يأت بوتين من مدرسة أحدهما, لا غورباتشوف ولا يالتسين. كان "مجمدا" في صقيع سيبريا من حقبة كان فيها رجال من طراز بريجنيف والكسي كوسيجين وأندريه غروميكو. كان مفاجأة لم يتوقعها أحد بمن في ذلك الروس الذين إستسلموا تماما لما بدا إنه عصر أميركي قادم عليهم أن يتهيأوا له بمن في ذلك كيفية تقليد رعاة البقر في إرتداء الجينز وقبله الكاوبوي. قلب في غضون أقل من نصف عقد كل الحسابات وأعاد تجميد أفكار فوكاياما بل ونظرية هنتنغتون "صدام الحضارات".
بوتين لم يغير قواعد اللعب مع الولايات المتحدة الأميركية أو المعسكر الغربي بمن في ذلك أوربا بل أعاد عقارب الساعة الى الوراء أكثر من أربعين عاما . ففيما كان جيمي كارتر يودع آخرالزعماء الكبار من طراز بريجنيف وكوسيجين وغروميكو, كان رونالد ريغان قد تعامل مع آخر عجائز الكرملين أندروبوف وقسطنطين تشيرننكو. كان بوتين الشاب يتطلع الى مايجري حوله بلا حول ولاقوة. مجرد ضابط مخابرات وبلا مسؤوليات قيادية. إنهارت الإمبراطورية وتوارى غورباتشوف خلف ستار الدعاية الغربية وجاء الدور على يالتسين الذي لم يكن يصلح حتى لقيادة سيارة مسكوفيج من بقايا صناعات الحرب الباردة.
صنع بوتين فرصته أي "تبوتن" غصبا على التاريخ بداياته ونهاياته وفق نظريات فوكاياما الذي رقص فرحا على أنقاض الأمبراطورية ولم يدر في باله على عكس زميله وأستاذه هنتغنتون أن الزمن سيطول به ليرى زمنا جديدا وتاريخا آخر يصنعه ضابط الكي جي بي المغمور وسائق التاكسي القديم. بوتين صنع قدره بنفسه وقد يعيد صناعة أقدارالعالم لاسيما إنه بات يلعب بالخرائط "لعب الخضيري بشط".
لم يعد يهمه مايفكر به الثور الأميركي الهائج, هائج على نفسه. وفي المقابل أنهى مقولة الدب السوفياتي ثقيل الحركة. حتى المزاج الصيني السلحفاتي لايلائمه. يتمدد متى شاء وأين مايريد. ضم القرم وعينه الآن على أوكرانيا. زحف الى البحر الأبيض المتوسط مزاحما الولايات المتحدة والغرب ويده على صنابير الغاز الممتدة الى أوربا لكن بلا أطلسي كمايفكرهو ولايهمه كيف يفكرون ماكرون في فرنسا وبايدن في أميركا وجونسون في بريطانيا. لم ينتخب رئيسا مدى الحياة فجب الغيبة عن نفسه. كل ما في الأمر أن الروس جددوا له الى عام 2036. إنتهت ثنائية بوتين ـ مديفيف الذي لم يكن أكثر من .. سكن سائق التاكسي القديم.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha