الشيخ محمد الربيعي ||
إنَّنا نحاول ـ أيّها الأحبَّة ـ في هذه الذكرى المباركة ألا و هي ولادة الامام علي بن ابي طالب ( ع ) ، أن نلتقط بعض كلماته ، فلقد عاش الامام عليّ ( ع ) واقعاً إشكاليّاً في مسألة الحبّ و البغض و ما زال ، فهناك من يحبّونه ، و هناك من يبغضونه ، فكيف يصوّر الامام عليّ ( ع ) الحبَّ و البغض في الخطوط المنحرفة ، لنفهم من خلال ذلك الخطَّ المستقيم في الحبّ ؟ و كيف يحدِّثنا الامام عليّ( ع ) عن الّذين يحبّونه حتى لو عاشوا المعاناة بأصعب ما تكون المعاناة ؟ و عن الّذين يبغضونه حتى لو فتحت لهم الدّنيا خزائنها ليحبّوه؟
يقول الامام عليّ( ع ): ( لو ضربت خيشوم المؤمن ـ و الخيشوم أقصى الأنف ـ بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، و لو صببت الدّنيا بجمّاتها ـ و الجمّات جمع جمّة مكان جمع الماء ـ على المنافق أن يحبّني ما أحبَّني ) ، و لذلك ، قضي على لسان النَّبيّ الخاتم ( ص ) أنه قال: ( يا عليّ ، لا يبغضك مؤمن و لا يحبّك منافق ) .
فسؤال الذي لابد ان يطرح لماذا قال النبيّ الخاتم ( ص ) هذه الكلمة ؟ ، مع أنَّ قضيّة الحبّ و البغض تتَّصل بنبضات القلب ، و هي عادةً لا تعرف الخطوط المستقيمة ، فربما ينبض قلبك بحبّ شخصٍ يختلف معك ، و ربّما ينبض قلبك ببغض شخصٍ يتّفق معك ، فالقلب لا يملك قاعدة يستقرّ عليها ، فلماذا لا يبغضه المؤمن و لا يحبّه المنافق ؟ و لعليّ(ع) صفات في إنسانيّته يمكن للمنافق أن يحبَّه من خلالها ، فهو الشّجاع البطل ، و هو العالم العادل ، و هو الَّذي يتميَّز بالكثير من الصِّفات الإنسانيّة الّتي يحبّ النّاس بعضهم بعضاً على أساسها ؟
فنحن عندما نعيش قصَّة الحبِّ و البغض في العالم ، فإنَّنا نجد أنَّها تتحرَّك من دون أن ترتبط بالأيديولوجيا ، كما يقولون ، فلماذا ذلك ؟
لأنَّ حبّ عليّ( ع ) ليس مسألةً تتَّصل بالقلب في سذاجة العاطفة ، بل تتَّصل بالعقل في عمق الوعي ، لأنَّ الامام عليّاً( ع ) كان إيماناً كلّه ، وقد قال الله تعالى فيه: [ وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ ]، فقد باع نفسه كلّها لله تعالى ، فلا مكان في شخصيَّته لأيّ شيء ذاتيّ ، فعقله عقل الإيمان ، و قلبه قلب الإيمان ، و حركته حركة الإيمان ، و شجاعته و زهده و عدله و علمه ، كلّ ذلك يتحرَّك في دائرة الإيمان.
لذلك ، فالمؤمن الَّذي يعيش إيمانه في عمق الإيمان وفي امتداده ، لا بدَّ من أن يحبَّ علياً( ع ) ، لأنّه عندما يحبّ الله الَّذي آمن به الامام عليّ( ع ) و عرفه و جاهد في سبيله ، لا بدَّ من أن يحبّ عليّاً( ع ) ، و إذا أحبَّ رسول الله ، فلا بدَّ من أن يحبَّ عليّاً( ع ) ، و إذا أحبَّ الإسلام ، فلا بدَّ من أن يحبَّ عليّاً( ع ) ، فلا انفصال بين الامام عليّ( ع ) و الحقّ ، فمن آمن بالحقّ لا بدَّ من أن يؤمن به. ( لا يبغضك مؤمن ) ، لأنَّ المؤمن عندما يعيش إيمانه ، فلا بدَّ من أن يعيش الانفتاح و الحبّ و الولاية لكلِّ من يجسِّد الإيمان، و الامام عليّ( ع ) كان التَّجسيد للإيمان كلِّه .
أمّا المنافق الَّذي اختزن الكفر في قلبه ، فلم يتعلَّق من الإيمان بشيء ، بل كان إظهاره للإيمان بلسانه وسيلةً من وسائل تغطية الخطط الّتي يخطّطها ليهدم الإيمان في عقيدته وفي شريعته و في حياته ، فكيف يمكن أن يحبَّ علياً(ع)؟!
إنَّ القصَّة لا تتَّصل بالسَّطح لتكون خاضعةً للرّغبة هنا و الرّهبة هناك ، و لكنَّها تتّصل بالعمق بمعنى الإيمان في نفس المؤمن .
و كأنَّ عليّاً( ع ) يريد أن يقول: إنَّ مسألتي في الواقع ليست مسألة شخصٍ ينفتح على صفات معيَّنة يحبّه النّاس لأجلها و يبغضونه لأجلها ، و لكنَّها مسألة الإسلام كلّه و الإيمان كلّه.
نسأل الله حفظ الاسلام واهله
نسال الله حفظ العراق وشعبه