الشيخ محمد الربيعي ||
الحرب في الإسلام ليست حرباً همجية و لا عدواناً سافراً و لا قتالاً مُجرّداً من كل خلق و فضيلة كما الحارب في حروب دول الاحتلال و من سار عن منهجهم ومبدئهم .
فالإسلام كدين سماوي لا يُحب سفك الدماء و لا يدعو إلى الحرب من أجل الحرب و لا يهدف إلى إهلاك الخَلق و لا إلى إبادة البشرية كما نلاحظه في السياسة الحربية لدول الاحتلال .
،بل هو رسالة الرحمة و الرأفة و رسالة إنقاذ البشرية و تخليصها من الظلم و البغي و العدوان و رسالة نشر السِلم و الأمن و الأمان وهذا كله لم نلحظه في حروب دول الاحتلال حتى فيما بينها فضلا عن غيرها ، بل والحرب في الاسلام ضرورة و استثناء .
الإسلام كدين سماوي لا يُحب سفك الدماء و لا يدعو إلى الحرب من أجل الحرب كما قلنا ، لكن الإسلام بطبيعة رسالته العالمية و مُهمته السامية و غَرضه ( بأن تكون كلمة الله هي العُليا ) ، و أن لا يُعبَد إلا الله وحده في سائر بقاع الأرض ، وأن يعمّ الأمن و الأمان و العدل و الرخاء في كل بقاع الأرض بينما نرى حرب دول الاحتلال اهدافها التدمير و الخراب و استغلال الثروات ، نعم قد تقف في طريق الاسلام و رسالته بعض الأنظمة النفعية المُستكبِرة ، و ذلك لأنها ترى فيه ضياعاً لمصالحها و ذهاباً لسطوتها ، فلا تكون هناك و سيلة أو أسلوب لإزاحتها حتى تفسح الطريق لنشر نور الرسالة المُحمّدية إلا عن طريق الحرب ، و ذلك طبعاً بعد استنفاد كل وسائل الإنذار و البلاغ و الدعوة ، و بعد عرض مُغرٍ بالدخول تحت حُكم الإسلام على ما هم عليه من دين ، فبعد كل ذلك و أكثر تكون الحرب و طبعاً لا اختيارا و لكن من مبدأ مُكره أخاك لا بطل .
هذا وقد ذهبت الشريعة الإسلامية إلى أكثر من مُجرّد النهي عن الحروب و دخولها ، ففي البداية عملت على الأخذ بكافة السُبل لمنع وقوع الحرب لحَقن دماء الجميع من المدنيين و المُحاربين (من الجانبين )، فأوصت بقبول كل الشروط التي يعرضها المُخالفون ما دامت تؤدّي إلى صون الحُرمات و حُسن العلاقات بين الجانبين ، ومن أمثلة هذا المسلك تلك المُعاهدة التي وقّعها الرسول الخاتم ( ص ) ، بنفسه مع قُريش في عام الحديبية ، و أوجبت على المسلمين تنفيذها بدقّة و أمانة حتى مع الوثنيين ، حيث قال الله تعالى: [ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ].
كما أن دخول الحرب ضرورة جعل الشارِع ( المُشرّع ) ، يضع لها من القيود و الضوابط و الآداب ما لم تعرفه حرب في التاريخ .
حيث ليس من غرض له في القتال إلا على قَدر ما يُحقّق الهدف و هو إزاحة العدو ، فلا يقتل إلا مَن انتصب لذلك و قام له ، أما مَن لم ينتصب لقتال المسلمين و لم يتصوّر منه المُحاربة فلا يتعرّض له بسوء و لا يُقتَل إلا أن تكون له مُشاركة في القتال بشكلٍ من الأشكال .
هكذا و قد نهى الإسلام عن مُقاتلة مَن لا يُقاتل و كذلك عدم مُقاتلة مَن ألقى السلاح ، فالشريعة الإسلامية قد فرّقت بوضوح بين المُقاتلين و غير المُقاتلين ، و هذا ما لا تجدة في دول الاحتلال فراجع تاريخ حروبهم الاسود.
بل إنها لم تُبِح توجيه أعمال القتال لكل المُعتدين و إنما قيّدته بعدم توجيه أعماله إلا إلى المُحاربين منهم فقط ، كما حرّمت قتل الأطفال و النساء و الشيوخ الذين لا يساهمون في أعمال القتال ، و هذا ايضا لا تجده عند دول الاحتلال و الشواهد عليهم كثيرة ، من الاعتداء على المدنيين ، فلا توجّه أعمال القتال إلا للمُقاتل القادر على حمل السلاح أو الذين تم إعدادهم لهذا الغرَض فقط ، أما الأشخاص المدنيين الذين لم يتم إعدادهم للقتال أو لم تؤهلّهم طبيعتهم لذلك الغرَض لضعفهم أو لم يكن من المُدبّرين أو المُخطّطين فإنهم يكونون بمنأى عن القتال ، كما نجد أيضاً أن الإسلام قد أوجب الحماية على كل المُستضعَفين من النساء و الوِلدان و الشيوخ و المسالمين ، بل و أوجب عدم التفرِقة بين الأطفال و أمّهاتهم و حمايتهم من القتل و الفتك و التشريد ، و ذلك اتّباعا لسُنّة رسول الخاتم ( ص ) و المُتمثّلة في قاعدة مؤدّاها (ألا يُقاتَل غير المُقاتِل).
و لكن عندما تُفرض الحرب على الدولة الإسلامية ، فقد وضِعت ضوابط و قواعد عملية عدّة يجب اتّباعها لتُخفّف من أهوالها ، و تحدّد بإنصاف ما يقتضيه الموقف الدفاعي البحت ، فنهى عن قتل المرآة في بيتها و الراهب في معبده و الفلاّح في مزرعته ، و بالجُملة فقد حصر الإسلام الحرب في ميدان الحرب و لا يتعدّاه ، و ذلك حماية لجميع المدنيين المُسالمين حيث قال تعالى
[ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَ لَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ].
كما حثّ الإسلام أتباعه على عدم المساس بأماكن العبادة .
وقد نهى الإسلام عن الاعتداء على الأعيان المدنية و تخريبها ، و نهى عن قطع الأشجار المُثمرة و النخل و عدم تخريب كل عامر و عدم عقر الشياة و الأبقار و عدم هدم الصوامع و البيَع ، فالإسلام قد أنكر حروب التخريب و التدمير حيث قال الله تعالى: [ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَ لَا فَسَاداً ۚ وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ]
ان مبادئ الشريعة الإسلامية أرسَت للأخوّة الإنسانية في هذا العالم ، و ذلك بأن لا يتجاوز المسلمون أثناء النِزاعات المُسلّحة الضرورة العسكرية وأن يعاملوا خصومهم أياً كانوا معاملة إنسانية و أن يوفّروا لهم الحماية اللازمة لحماية المدنيين و أعيانهم المدنية.
وكل ذلك لاتجده في الماضي والحاضر من تاريخ حروب دول الاحتلال ، التي كانت سببا لكل دمار و كل خراب في العالم .
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و اهله