د.مسعود ناجي إدريس ||
تصدير الموضوع: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾. [البقرة 121]
الهدف: التأكيد على مراعاة الأمور الواجبة والمستحبة، سواء العلمية أو الفنية أو الروحية في قراءة القرآن.
المقدمة
في روايةٍ عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام في تفسير وبيان قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِه﴾، قال:يرتّلون آياته، ويتفهَّمون معانيه، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعدَه، ويخشوْن عذابه، ويتمثَّلون قِصَصه، ويعتبرون أمثالَه، ويأتون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه، وتلاوة سُوَرهِ ودرس أعشاره وأخماسه، حفَظَوا حروفَه وأضاعوا حدودَه، وإنما هو تدبّر آياته يقول الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِه﴾. [ميزان الحكمة، ج3، ص 2526]
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِه﴾، قال: يتَّبعونه حقَّ اتباعه.[ميزان الحكمة، ج3، ص 2526]
الحثّ على تلاوة القرآن
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾. [فاطر 29]
الحديث مع الله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبَّ أحدُكم أن يحدِّث ربَّه فليقرأ القرآن"[ميزان الحكمة، ج3، ص 2524].
أهلية القيادة: بعَثَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفداً إلى اليمن، فأمَّر عليهم أميراً منهم وهو أصغرهم، فمكث أياماً لم يسر... فقال له رجل يا رسول الله أتؤمِّره علينا وهو أصغرنا ؟ فذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قراءته القرآن. [ميزان الحكمة، ج3، ص 2524]
جلاء القلوب: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ هذه القلوب تَصْدأ كما يَصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله فما جلاؤها ؟ قال: تلاوة القرآن". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2524]
الغنى الأكبر: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قرَأ القرآن فهو غنىً لا فقرَ بعدَه". [الكافي، ج2، ص 605]
الأُنس الأكبر: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أَنس بتلاوة القرآن، لم تُوحشه مفارقة الإخوان". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2524]
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي"[الكافي، ج2، ص 602].
كفَّارة الذنوب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليك بقراءة القرآن، فإنَّ قراءته كفارةٌ للذنوب، وسَترٌ في النار، وأمانٌ من العذاب"[ميزان الحكمة، ج3، ص 2524]. عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بنيّ، لا تَغفل عن قراءة القرآن، فإنَّ القرآن يَحيي القلب، ويَنهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي"[ميزان الحكمة، ج3، ص 2525].
تحت ظلال الوحي: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ القرآن فكأنما استُدرجت النبوة بين جَنْبيه، غير أنه لا يُوحى إليه"[ميزان الحكمة، ج3، ص 2525].
أحبّ الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فعن الإمام علي عليه السلام لما سمع ضجة أصحابه في المسجد وهم يقرأون القرآن: "طوبى لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "[ميزان الحكمة، ج3، ص 2521].
أسرار تلاوة القرآن
1-الاستعاذة: ويُراد بذلك رفع موانع التلاوة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل 98].
وعن الإمام الصادق صلى الله عليه وآله وسلم: أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية [ميزان الحكمة، ج3، ص 2527]. وعنه عليه السلام لما سُئل عن التعوّذ عند افتتاح كل سورة: نعم، فتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، وذكر أن الرجيم أخبث الشياطين [ميزان الحكمة، ج3، ص 2527].
2-الترتيل: قال تعالى: ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾[المزمل 4].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾: "بيّنه تبياناً، ولا تَنثره نثرَ البقل، ولا تهذّه هذَّ الشِعر، قِفوا عند عجائِبه، حرِّكوا به القلوب، ولا يَكن همُّ أحدِكم آخرَ السورة"[ميزان الحكمة، ج3، ص 2527].
وعن علي عليه السلام في صفات المتقين: "أمّا الليل فصافّون أقدامَهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتِّلونها ترتيلاً، يحزّنون به أنفسَهم، ويستثيرون به دواءَ دائهم"[نهج البلاغة، ج2، ص 161].
3-التدبّر: قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد 24].
قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَاب﴾[ص 29].
قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾. [النساء 82]
الإمام علي عليه السلام: "ألا لا خيرَ في قراءةٍ ليس فيها تدبّر، ألا لا خيرَ في عبادة لا فقه فيها". [الكافي، ج1، ص 63]
4-التفهّم: أي أن ينظر في كل آية ليستبين معناها، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتَحتَ خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها"[ميزان الحكمة، ج3، ص 2528].
5-الإعتبار: أي أن يرى كل خطاب في كتاب الله موّجهٌ إليه، فعن الإمام علي عليه السلام: "تدبّروا آيات القرآن واعتبروا به، فإنه أبلغ العِبَر" [ميزان الحكمة، ج3، ص 2528]
6-كشف الباطن والحقائق: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أنزل الله عز وجل آية إلا لها ظهر وبطن، وكل حرف حدّ، وكل حدّ مُطلع". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2521]
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2531]
7-الخشوع: قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. [الحديد 16]
وفي الرواية كان الرضا عليه السلام في طريق خراسان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مر بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار. [مستدرك سفينة البحار، ج8، ص 467]
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" إني لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن". [الكافي، ج2، ص 632]
وفي الحث على قراءة القرآن بالحزن والبكاء قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2528]
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، ليس منا من لم يتغَنّ بالقرآن". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2528]
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من عين فاضت من قراءة القرآن إلا قرَّت يوم القيامة". [ميزان الحكمة، ج3، ص 2529]
وفي الحث على التفاعل مع الآيات التي يقرأها قال صلى الله عليه وآله وسلم لما سُئل عن أحسن الناس قراءة: "إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله" [ميزان الحكمة، ج3، ص 2529]...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
م/ اليوم العالمي للقرآن 27 من شهر رجب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله الذي جعل آيات القرآن مصدراً دائماً للضياء المحض ومنبعاً للمعارف المستفيضة، وخزائن علمية لا تنفد كنوزها ومأدبة سماوية ينهل منها الناس على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ليبقى القرآن وما فيه من الإشراقات الغيبية حاجة مستديمة وملازمة لأهل الأرض خصوصاً وان الإنسان ممكن وكل ممكن محت
اوالأولى ان يطلق هذا العنوان التشريفي على اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك، وقيل فيه اول نزول الوحي في السنة الحادية والأربعين من عمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه وقعت معركة بدر ونزل قوله تعالى [ إِنْ كُنتمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ].
و(الفرقان) من اشهر اسماء القرآن بعد اسم القرآن، ولعلهما مرجع جميع اسمائه كما ترجع صفات الله عز وجل مع كثرتها الى معاني الجلال والجمال، وفي المعنى الأعم لالتقاء الجمعين ومفهومه اشارة الى تقارب الحضارات في هذا الزمان، وظواهرمستقبلية غيبية، ومقدمة لصيغ الحوار والتداخل والتزاحم بين الأديان والأمم، ومواجهة نوعية للمفاسد العرضية وأسباب التحدي لعالم الفضائيات والتكنولوجيا، واستثمار مبارك لها ومساهمة في تهذيب النفوس، واكرام وتعاهد للقرآن.
وربما كان ورود [ يَوْمَ الْفُرْقَانِ] في الآية الكريمة اعلاه دعوةً لتخصيص هذا اليوم وخطـاباً انحـلالياً لكل المؤمـنين، لذا اعـرض بين أيديكـم هذا الاقتراح ليكون يوم القرآن عيداً يتجلى فيه الإرتقاء الى عالم الملكوت، والسعي النوعي لبلوغ اشرف المقامات. [ وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى