منهل عبد الأمير المرشدي ||
Manhalalmurdshi@gmail.com
إصبع على الجرح .
يحكى أن تاجرا كان يعيش في سلطنة من سلاطين المماليك وكان لديه كلب مدللا خصص له احد غرف القصر الذي يعيش فيه .
كان التاجر متعلقا جدا بذلك الكلب حتى انه كان يرفض كل النصائح التي يتلقاها من بعض الأصدقاء بعدم جواز تربية الكلب داخل البيت ولا بأس ان يأويه في حديقة القصر . كان الرجلا متعلقا بكلبه بشكل كبير ويعتني به في المأكل والمشرب والرعاية ويقول لكل من يحاججه فيه انه يعتبره كلب الحب والسلام .
في صباح يوم من الأيام جلس التاجر من نومه ليبلغه خدمة القصر بموت الكلب في فراشه من دون سابق انذار ولا مرض ولا علة . كانت الصدمة كبيرة جدا عليه حتى انه استدعى كبار الأطباء البيطريين لفحص جثة الكلب والتعرف على اسباب موته خشية ان يكون قد تعرض لعملية اغتيال من اطراف معادية للحب والسلام إلا ان جميع الأطباء ابلغوه ان الكلب مات موتا طبيعيا بالسكتة القلبية وان الموت حق على جميع الكلاب وابناء الكلاب كما هو الموت حقا على بني آدم ومن دون حساب للعمر او الغنى او المنصب .
سلّم الرجل أمره الى الله وحزن حزنا شديدا على كلب الحب والسلام وقرر ان يدفنه في حديقة القصر حيث اقام له قبرا محاط بالزهور والنافورات . انتشر خبر القبر الغريب للكلب العجيب فأشتكى الناس الى القاضي على التاجر بإعتباره يسّن سنة سيئة ويخالف الأعراف والأحكام والتقاليد . استدعاه القاضي وسأله عن حقيقة ما نسب إليه بقيامه في دفن الكلب الميّت بحديقة القصر وإقامة قبر له وإن ذلك مخالفا لكل القوانين الوضعية والسماوية .
قال الرجل : نعم سيادة القاضي لقد فعلت ذلك لأن الكلب قد أوصاني بذلك ولابد لي ان احترم وصية الميت فنفذت وصيته .
استغرب القاضي من جوابه وقال له ويحك أتستهزئ بنا ؟
قال التاجر .. كلا يا سيادة القاضي انا لا اقول غير الصدق ولم استهزء بالقضاء ولا القاضي ولكني انقل اليك وصية الكلب الذي اوصاني ايضا ان اعطي 100000 دينار من الذهب تالخالص للسيد القاضي دعما للعدالة والحق والإنصاف .
هنا صمت القاضي قليلا متأملا في هذا العطاء السخي من الكلب وصاحب الكلب وقال للتاجر .
أحسنتم ورحم الله الكلب الفقيد وأحسن مثواه . تعجب الناس من القاضي وكيف تغير الحال من حال الى حال واحتج بعضهم على ما سمعوه منه فقال لهم القاضي : ايها الناس لا تتعجبوا ولا تستغربوا فقد تأملت في أمر هذا الكلب الصالح كثيرا فوجدته كلبا صالحا ولا شك انه وبكل تأكيد من نسل الكلب الصالح لأصحاب الكهف .
ثم بكى القاضي وبكى الحاضرين وبكى صاحب الكلب وصاح الناس جميعا يحيا العدل .. يحيا العدل .