المقالات

الصوم واثره على تربية وتأهيل الذات


الشيخ محمد الربيعي ||

 

▪️يعتبر علم تأهيل الذات من العلوم الجديدة حيث ظهر ضمن علوم التنمية البشرية ، ويهتم بتطوير الذات الإنسانية وتنميتها والارتقاء بها الى أعلى مستويات الوعي والمعرفة؛ من خلال معرفة مكامن الضعف فيها ومعالجتها، ومكامن القوة وتوظيفها، ويعتمد هذا العلم بالأساس على تجارب البشر المختلفة ويحولها الى اسس معرفية تساعد في تغيير الانسان وتطوير مواهبه وقدراته الذاتية.

محل الشاهد :

و لهذا العلم اهدافه اساسية ثلاث هي:

▪️-تطوير وتأهيل الذات الإنسانية والإرتقاء بها.

▪️-اكتشاف القوى الكامنة وتوظيفها.

▪️-تكوين الشخصية الإيجابية القادرة على صناعة النجاح والتميز. ◇السؤال المهم ما علاقة رمضان بهذا العلم؟

بطبيعة الحال  سؤال وجيه ، لاننا تعودنا على ان ننظر الى شهر رمضان على انه طقس ديني نمارس فيه الجوع والعطش قربة لله تعالى ،دون الحاجة الى النظر إلى الحكمة الكامنة وراء هذا الأمر الذي تعبدنا الله تعالى به؛ اتباعا للقواعد(الاصل في العبادات التعبد).

فنريد نحن ان نربط الصيام بما  أوصلنا اليه من التأمل، والتفكر، والتدبر، والتعلم، بل اننا نتقرب الله تعالى بمطلق الامتثال دون النظر الى مئالات الامور؛ ولكن هل يمنع هذا من ان نبحث عن الحكم البالغة لربنا تعالى فيما شرعه لنا من احكام؟ لا اعتقد ذلك، بل من الجفاء قول ذلك! فالعلم أساس متين من اسس الاسلام، وقد دعانا ربنا تعالى في اكثر من موضع من كتابه العزيز إلى ربط الاحداث في الكون ببعضها والتفكر بها عواقبها ومئالاتها وحكمتها لانها ستصل بنا بالنهاية الى الحكيم الذي احسن كل شيء خلقه وقدره تقديرا.

▪️ايها الاحبة ...إن المتأمل في فلسفة الصيام وغايته يجد أن عملية الصيام لا تعدو كونها عملية تربوية تتم فيها تربية النفس وتهذيبها والارتقاء بها، وهذا يعين الإنسان على تجنب المعاصي وارتكاب الذنوب. ويعمل الصيام على تطهير النفس الإنسانية وتزكيتها فيكون الصيام بذلك دافعًا على مقاومة النفس ودفع أهوائها. ولعل من أهم التأثيرات النفسية للصيام، الثبات النفسي، حيث ينمّي الصوم الثبات .

محل الشاهد :

▪️نحن ايها الاحبة دوما نردد مقولة ( العقل السليم في الجسم السليم ) وهي مقولة صحيحة وسليمة جدا ، اثبت صحتها العلم وتجارب البشر، فكلما اعتنينا بالصحة الفيزيائية للجسد كلما ارتقت الصحة العقلية والنفسية ، ومن هنا كان الترهل والكسل والبطالة والسمنة من عوامل انتاج الشعوب والامم الاقل انتاجا! وهو حال الامة المسلمة للأسف الشديد، لذلك إحدى الحكم من الشهر الفضيل هو عملية اعادة تأهيل الجسد من خلال ممارسة التقليل من الاكل والشرب، فبالإضافة الى ما يتركه ذلك من اثار جيدة على الصحة العامة للإنسان؛ فان تدريب النفس على الامتناع عن المباحات والمشتهيات من عوامل بناء الشخصية القوية المنتجة الفاعلة .

 فذلك الصوم  يساعد الانسان على ان يكون صاحب ارادة قوية تمكنه من تغليب العقل مصدر الرقي على الشهوة مصدر الهوي، فتوقف الانسان عن تناول اكثر المباحات ضرورة لبقاء الحياة (الطعام والشراب) لاغلب اليوم في رمضان يقدم تدريبا للإنسان على ممارسة مهارات التنمية الذاتية.

ومن هذه المهارات اعادة التأهيل؛ ففي غمرة الحياة التي تتسارع وتيرتها يوما بعد يوم؛ لايجد الفرد المعاصر وقتا للوقوف مع نفسه ومراجعتها ومعرفة اين اخفقت واين نجحت! ولماذا لم تتمكن من تجاوز العقبات او ما السبب الكامن وراء الاخفاقات؛ ان فطن الانسان الى انه اخفق، ففي الغالب نخفق ونحن في غفلة نظن اننا نسلك طريق النجاح! رمضان يوفر لنا الفرصة للوقوف مع انفسنا وقفة مراجعة وتأمل من خلال صفاء النفس التي تأخذ فرصتها لوقفة مع الذات يوفرها الصيام والقيام، خصوصا اذا توفرت الارادة لذلك، فإرادة التغيير هي الاساس في تطوير النفس بهدف الوصول للنجاح، فتأهيل الذات وامتلاك المهارات مع وضوح الهدف مطلب ملح وضرورة مؤكدة للقيادة نحو النجاح في ميادين الحياة.

 اننا بحاجة ايها الاحبة ...

بين فترة وأخرى الى ان نخلوا مع ربنا ونراجع  ذاتنا  و نفكر  في خلق السماوات والأرض وناخذ الحكم والعبر من مجمل ذلك، فكم نحن بحاجة الى هذه الخلوة؟ ورمضان فرصة لان نقف أنفسنا هذه الوقفة .

▪️اما الجانب الاخر الذي نحب التطرق له هو الجانب التربوي الذي يقدمه الصيام لنا وتخلص بالنقاط التالية :

1 / طهارة الجوارح:

 من الآثار التربوية للصوم هو تطهير الجوارح من أعمال السوء، وهذا الأثر امتداد لنقاء روحه من الشوائب والمكدرات الحسية والمعنوية التي تصيبه في حياته. ومن هنا فإن في صيام رمضان طهارة للمسلم من أمثال تلك السلبيات، لأن في الصيام تربية روحية لبناء شخصية المسلم على كيفية مواجهة مواقف صعبة فيها سب الآخرين له أو شتمه فيتعلم كيف يرد على ذلك بالهدوء والثبات الانفعالي.

2/ تقوية الإرادة وشحذ الهمة:

 الصوم عبادة روحية تهذب الروح والوجدان، هذه العبادة يتعرض فيها البدن لألم الجوع والحرمان من الملذات البدنية.

ولا شك أن الصيام وهو بهذه الحالة سيترك آثارًا تربوية على المسلم، ومنها تقوية إرادته وشحذ همته إلى معالي الأمور، وتحفيزه إلى السبق في مواسم الخير، فالصوم يمنح المسلم القوة في حياته التي يستعين بها بعون من الله على التحكم في إرادته.

 3 / فالصوم يقوي الإرادة ويشحذ العزيمة ويعلم الصبر ويساعد على صفاء الذهن وإنفاذ الفكر وإلهام الآراء الثاقبة، وعندما يمتلك الفرد قوة الإرادة يستطيع أن يتغلب على الصعاب والمشاق والمواقف الصعبة التي تواجهه في حياته.

4 / التحكم في النفس وهواها:

 إن المسلم إذا تمكن من تهذيب نفسه يسر له ذلك أن يتحكم في مطالبها فلا يعطيها إلا ما كان نافعًا غير ضار، لأن طبيعة النفس البشرية ميّالة إلى الشر والفتنة. فالمسلم يستفيد من هذا الأثر التربوي من صيامه لأن الصيام يحمل الإنسان على ترك مألوفه وشهواته عن طواعية واختيار.

5/ التغلب على السلبيات:

 لعل من أبرز الآثار التربوية للصوم هو التغلب على السلبيات السلوكية وغيرها، سواء مع نفسه أو لدى الآخرين، ذلك أن تقوية الإرادة في النفوس ليست بالأمر الهين، فالصوم يدرب الإنسان على القضاء على السلبيات السلوكية في حياته، بما يمده من طاقة إيجابية فعّالة في تحويل الأمور السلبية إلى أمور إيجابية، ومن هنا يصبح الفرد نافعًا لمجتمعه، حريصًا أن يكون مواطنًا صالحًا. والصوم يربي ذلك في الشخصية المسلمة.

6 / الارتقاء بالمسلم إلى مكارم الأخلاق:

 الصوم يدفع المسلم إلى مكارم الأخلاق، فهو ينظم حياته ويربيها ويقويها ويصل بها في التربية إلى أعلى مستوى، وهذا الأثر التربوي من أدق الآثار التربوية وأهمها في حياة المسلم الخاصة، ذلك أن الصائم هو الذي يختار لنفسه ما يقدر عليه، كما أن الصيام عبادة سرية فليس يعلم حقيقة الصائم إلا الله، فهو عبادة بين العبد وربه، تعتمد على المراقبة والخشية من الله.

فالصائم يضحي بطعامه وشرابه وشهواته محتسبًا لا يرجو إلا ثواب الله.

7/ مجاهدة النفس وإجبارها على سلوك منهج الله:

 إن للصيام دور محوري في مجاهدة النفس وإجبارها على الالتزام بمنهج الله. إن المجاهد من جاهد هوى نفسه وشيطانه ودنياه.

ومن هنا فاللصيام أثر بارز على النفس وتربيتها على سلوك منهج الله إذ فيه صفاء النفس والخلق الكريم، وبه الطاعة والقرب من الله. فبالصوم يملك الإنسان زمام غضبه، ويكبح جماح شهوته، إنه تدريب على الهيمنة على النفس.

وضبط زمامها وكفها عن أهوائها ونزواتها، وبذل جهده على إجبارها وتعويدها سلوك منهج الله في كل شؤونها. وهذا يتطلب من الإنسان جهاد متواصل ليلًا ونهارًا، فالجهاد الأكبر هو جهاد الشرور المنبعثة من النفس.

ولذا الصيام من أنجح الوسائل في هذا المجال إذ هو يساعد المسلم ويدفعه إلى مجاهدة النفس وإجبارها على سلوك منهج الله.

8 / شعور النفس بالتفوق

القيام الحقيقي بالتكاليف والواجبات الإسلامية يقتضي دومًا وفي كل حين أن تستشعر النفس فضلها وقيمتها، فحب الله لا ينحصر في العبادات فقط بقدر ما يتمثل في الأبعاد العملية والتعبدية للإيمان، لأن هذا وثيق الصلة بالمجاهدة والصيام معًا، فالذي يصوم يجب ألا يلتفت إلى عناء وتعب جسمه وخلو معدته من الأكل والشراب، بل ينظر إلى أنه يمثل بعض مظاهر التقرب إلى الله.

9 / دور الصيام في تكوين الشخصية المسلمة :

يعد الصيام شعيرة من الشعائر الإسلامية العظيمة، وعبادة من العبادات التي لها أكبر الأثر في تشكيل شخصية الإنسان المسلم، سواء من الناحية الخلقية أو الروحية أو الاجتماعية، ذلك لأن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الخير، تصفو فيه النفوس، وتقترب القلوب من خالقها سبحانه وتعالى. ومن هنا فإن للصوم فوائد جمة ومتنوعة من الناحية الاجتماعية والفردية؛ فمن الناحية الفردية يتجلى ذلك من خلال العطف على المساكين؛ لأن الصائم عندما يعضه الجوع يتذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فيحمله هذا على رحمة المساكين، لأن الرحمة في الإنسان تنشأ عن الألم، والصيام طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ومتى تحققت رحمة الغني للفقير الجائع أصبحت للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ.

نسال الله حفظ العراق و شعبه

نسال الله حفظ الاسلام واهله

ـــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك