حمزة مصطفى ||
"طش" أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب من القاهرة التي تأسست بعد إذاعة بغداد بسنوات. إذاعتنا مثل تلفزيوننا كانت الأولى في المنطقة العربية. الإذاعة سنة 1936 والتلفزيون سنة 1956. و"طش" فاضل عباس المهداوي من إذاعة بغداد عبر محكمته الشهيرة بعد أحمد سعيد التي تأسست إذاعته بعد إذاعتنا. المعايير الصارمة لم تمنع من أن "تطش" أغنية "لاخبر" للفنان الصاعد آنذاك الدكتور فيما بعد (صحيح مو دمج) عند أول ظهورها أواخر ستينات القرن الماضي. وفاضل عواد صاحب "حاسبينك" التي لم يكن حظها من "الطشوش" مثل لاخبر بينما حاسبينك كانت ولاتزال أجمل الأغاني. لماذا طشت "لاخبر لا جفية"؟ أوامر عليا صدرت بأن تبث يوميا عند أول ظهورها عشر مرات في اليوم على الأقل. فاضل عواد الدكتور فيما بعد صار بسبب تلك الأغنية ( كإنه علم في رأسه نار) كما تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر. ممن سبقونا في مجال الإعلام كانوا يتخوفون من "الطشة" لأنها قد تكون مكلفة أحيانا. أحمد سعيد المذيع الناصري المعروف لايزال موضع تندر لأنه تلى برقية تأييد للوحدة بين مصر وسوريا صادرة من المناضلة "حسنة ملص". حشاشون عراقيون وقتذاك من قوى اليسار بعثوا برقية بإسم حسنة ملص أذيعت عدة مرات بصوت أحمد سعيد. أكل المقلب مربع.
في مقابل "طشوش " أغنية لاخبر لفاضل عواد أريد لأغنية ياس خضر "ليل البنفسج" أن لا "تطش". لماذا؟ لأن الرئيس الراحل أحمد حسن الخبر كان يحب لاخبر فيأمر ببثها ولا يحب ليل بنفسج فامر بمنعها. لكن تلك الأغنية الجميلة لشاعرها الفذ مظفر النواب "طشت" في قلوب العاشقين مثل أختها "روحي" للنواب نفسه. الأوامر الرئاسية لم تمنعها من أن تتسلل حيث يهوى الناس شعر النواب والحان طالب القره غولي وغناء ياس خضر. تحولات "الطشة" لاتقتصر على الإذاعة والتلفزيون فقط مع كل معاييرهم الصارمة. بل حتى على مستوى الفكر والثقافة خصوصا بعد إتساع ظاهرة الممنوعات بين الكتب والدوريات. فالرقيب الذي كان يخشى الحساب فيما لو سمح بمرور كتاب يلجأ الى منعه وهو مايساعد على إتساع تداوله أي "يطش" عبر ظاهرة الإستنساخ في شارع المتنبي الذي طالما "طش" بسببه كتاب ومؤلفون كنا نقرأ لهم سرا.
اليوم إختلف مفهوم "الطشة" في الإعلام لاسيما بعد إختراع مواقع التواصل الإجتماعي وهيمنة كل من مارك وماسك على عقولنا وعقول الخلفونا بحيث قرقزوا من قرقزوا منا ( قرقزيا يمكن تناول مثال واحد.. يوميا ينشر العشرات بوستات رثاء لأجدادهم أوآبائهم وأمهاتهم ممن مات بعضهم قبل 77 عاما).
الإعلام الرقمي لم يؤثر على الصحافة الورقية فقط التي لاتزال الى حدما تحتفظ بالمعايير, بل بدأ يؤثر على التلفزيون أيضا. ربما بات من الصعب على الكثير من المشاهدين الجلوس في وقت معين لمشاهدة حلقة من برنامج سياسي أو ترفيهي (بالمناسبة البعض لايزال يكتب أحيانا .. سأكون اليوم على قناة كذا ساعة كذا تابعوني.. هذا البعض بعده خارج عصر اليوتيوب) لأن هذا البرنامج سوف ينزل على اليوتيوب أو تتحول بعض فقراته الى مشاهد فيديوية يجري طشها في المواقع والكروبات وبالتالي لسنا بحاجة الى ترك أعمالنا ومشاغلنا والإستماع الى جنجلوتياته السخيفة. بعض القنوات التلفزيونية حين تجد أن رصيدها من اللايكات والإعجابات بدأ يتراجع تستضيف شتاما لعانا هجاء وهم لأسباب "طشوية" أصبحوا كثر. في العيد الأخير جربت إحدى القنوات التي لم يسمع بها أحد طريقة جديدة ومبتكرة بالطشة.. أرسلت الى الشارع فتاة لاتعرف "الجك من البك" تسأل وتجاوب. المفارقة في السؤال وفي الجواب. تسالك هل أنت صائم؟ قبل أن تقول الحمد الله تجيب هي "كلنا للنار". ماذا يعني ذلك؟ هي "تطش" وأنت تروح عليك .. قاصرات الطرف.
https://telegram.me/buratha