إيمان عبدالرحمن الدشتي ||
انطلاقا من قول الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم: (الدين النصيحة) يستوجب على المؤمنین المناصحة لكافة الناس أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر بأساليب تعود بالنفع على الناصح والمنصوح له والمجتمع بشكل عام، ولكن!
هل الجميع يتقبلون النصيحة؟!
الطبيعة البشرية في غالبها تنفر ممن يوقفها عند حدها ويقول هذا خطأ وهذا صواب خصوصا إن كان من يُقال له الكلام مقتنع بما يقوم به، لذا وجدنا الجحود عند الاقوام السالفة التي بُعِث اليها الانبياء, ولكن مع ذلك اخذ الانبياء بإبداء النصح لأقوامهم, قال تعالى في كتابه العزيز: (ابلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) وقال نبيه الكريم صلى الله عليه واله وسلم: (إن اعظم الناس عند الله يوم القيامة، امشاهم في ارضه بالنصيحة لخلقه) فالنصيحة هي منهج الأنبياء، وهي إبداء النصح والإرشاد في أمر ما بكل وضوح وأمانة بهدف نشر الفضيلة وازاحة الرذائل والموبقات، وتصحيح المسار السلوكي للفرد والمجتمع وهذا ما سار عليه حملة الرسالات الالهية في سلوكهم.
النصيحة لها وجهان يحددهما الزمان والمكان والجهة المراد توجيه النصيحة لها، وهما: أما بطرح الكلمة الصادقة بمحادثة لائقة، أو من خلال فعل يراد منه إثارة انتباه هذه الجهة لعمل الخير او لترك ما اعتادت عليه من سلوك سيء وإعطائها البديل، سواء كانت هذه الجهة فردا او جماعة.
كما أن اختيار الزمان المناسب والمكان المناسب لتقديم النصيحة يعد عاملا مهما لتحقيق المطلوب بعيدا عن الاحراجات، فلا نصيحة للفرد في محضر الجماعة، ولا نصيحة في حال الانفعالات والتوترات.
أساليب النصح كثيرة ومتعددة, فقد تؤثر كلمات بسيطة في الحث على عمل الخير او تغيير قناعات مغلوطة لدى المتلقي، أو من خلال مراسلة الطرف المقصود في حال استصعب طرح الموضوع وجها لوجه، او قد يستوجب ادخال طرف ثالث فعال ومؤثر اكثر مقبولية وقدرة على الإقناع.
عودا على تساؤلنا الاول هل الجميع يتقبلون النصيحة؟!
كما اشرنا ان الطبيعة البشرية في غالبها تنفر ممن يوجهها بالنصح، اذ ان اغلبنا لاحظ ان كثيرا من الناس لا يتقبلون النصيحة، ويعتبرون أنفسهم على صواب دوما، وليس من حق احد محاسبتهم كما يعبرون، وقد تحدث ردات فعل عكسية ومشادات كلامية بين الناصح والمنصوح له، وهذه الفئة نستطيع ان نطلق عليها وصف "أصحاب العقد النفسية" حيث يعتبرون ان جميع افعالهم واقوالهم متزنة، وليس من حق اي احد التدخل في شؤونهم، فلا هم مع التقوى ويعتبرون النصيحة واجب شرعي حيث يقول الله تعالى: (وذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين) ولا هم مع المدنية ويميلون لقول (صديقي من اهداني عيوبي) وهنا ليس لهم إلا الدعاء بالهداية.
والأمر المهم قبل كل هذا وذاك هو أسلوب الناصح وسلوكه العام، والخطاب يجب ان نوجهه لانفسنا قبل غيرنا في حال أردنا النصح للآخرين: هل طبقنا النصيحة على أنفسنا؟ هل غيرنا سلوكاتنا غير المنضبطة؟ هل نمتلك أسلوبا اقناعيا مهذبا؟ هل لنا من المحاسن والإنصاف بأن نكون مثالا يحتذى به؟ هل غايتنا ارضاء الله تعالى ونشر الفضيلة، أم الغاية هي التشهير او التحقير والإذلال لا سمح الله؟ فمتى ما كانت الإجابات عن هذه التساؤلات إيجابية، عند ذلك تكون المعطيات إيجابية بتوفيق الله عز وجل.
يشهد العالم وللأسف انعطافة في تردي منظومته الفكرية والاخلاقية، والتي هي من صنع عبيد الشيطان من قوى الاستكبار العالمي، لذلك يتحتم علينا جميعا الدعوة لمراجعة النفس وتقييم سلوكها والعودة الجادة للفكر الوضاء لشريعتنا الإسلامية، ولتهيئة القاعدة الجماهيرية المخلصة لنصرة إمامنا الموعود عجل الله فرجه الشريف، والذي بانت شيئا فشيئا علامات ظهوره المبارك بإذن الله كما بينها لنا آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.
الحقيقة هي أننا متى ما بذرنا بذور الخير، وسقيناها بماء المكرمات، نبتغي بذلك وجه الله تعالى والقرب من أوليائه الكرام، شريطة ان تكون الأرض التي نبذر فيها خصبة، فستنبت فضائل وتواصل.