منهل عبد الأمير المرشدي ||
إصبع على الجرح ..
لم تزل حكايات الطنطل والسعلوة تستوطن الذاكرة حينما كنّا صغارا ونحن نتلقى بهم الترهيب والتحذير في حكايات جدتنا وآبائنا حيث رسموا في مخيلتنا إن الطنطل ابيض طويل يظهر في الظلام يأخذ كل من يمشي في الشارع ليلا وكل من يذهب وحيدا الى مكان اظلم وكذلك هي السعلوة التي كنا نخشى ان تهجم علينا ونحن نيام في فراشنا وتأكل منا ما تأكل وتترك لنّا ما تترك .
لقد ترسخت في أذهاننا وتوغلت في شغاف قلوبنا حكايات الخوف والرعب من الطنطل والسعلوة رغم اننا لم نرهما مرأى العين إلا إن الحال وصل بنا حين ننظر في مزرعة وقت الظلام يترآى لنا الطنطل شبح ابيض رفيع طويل هنا او هناك وكذلك هي السعلوة التي تراود بعض الأطفال في منامهم على شكل كوابيس مرعبة .
زمن بكل ما فيه من حكايات غريبة وروايات عجيبة لا يقبلها العقل الإ انها كانت مستساغة للعقول مقبولة لدى الغالب الأعم من الناس لبراءة الذات التي تعتمر النفوس حتى إن البعث الفاشستي استثمر ذلك في اسطورة ابو طبر البعثية بإمتياز التي اعتمدها النظام المقبور لتصفية اضداده واصحاب رؤوس المال وكبار التجار وجولات المصارعة الحرة لعدنان القيسي ومعجزة ( العكسية ) وغيرها .
لم يكن الناس اغبياء حينها لكنهم كانوا انقياء يتعاملون مع الأمر على اساس الفطرة السليمة بنوايا خالصة من دون تعقيد او إخضاعه الى نظرية الشك أو ما تسمى بنظرية المؤامرة التي يجيدها ازلام البعث ويعتاشوا عليها .
لقد استغل النظام المقبور تلك الفطرة السليمة لأبناء الشعب العراقي بأبشع صورة في تحقيق برنامجه الهدام للقيّم والثوابت وترسيخ سطوته بالقهر والقوة وصولا الى ما آل اليه الحال في جمهورية الخوف الصدامي .
لقد وصال الحال بالشعب العراقي حينذاك الى ان يصفق ويرقص لكل ما يقرره القائد الضرورة حربا ام دمارا ام غزو او أي شيء فيهزج الشعب ويرقص حتى لو قرر اعدام ابناء البعض رميا بالرصاص وحضر بينهم فسيكون استقباله بإهزوجة (هلا بيك هلا , وبجيتك هلا ) وبالروح بالدّم نفديك يا هدام ..
اليوم وبعد قرابة العقدين من الزمان على سقوط الصنم يطّل علينا أشباه صدام شكلا ومضمونا وتقليد مع الفارق في كارزما الظهور والصوت الموتور والحنك المكسور .
المشكلة إننا كنّا نعاني من صدام واحد فصار لدينا أكثر من صدام بل مجموعة من الصداديم وكنّا نرقص لقائد واحد فكثر اليوم القادة وكثر الراقصون على جميع الأنغام الشعبية العراقية من الهيوة الى الجوبي الى الهجع وصولا الى البزخ . كان المقبور هو الزعيم الأوحد وتعدد لدينا اليوم الزعماء ولكل قوم زعيم ولكل طائفة زعيم ولكل عشيرة زعيم وكل أمة بما لديهم فرحون ..
علينا ان لا ننسى للأمانة والإنصاف إن بعض الزعماء يتشبهون من حيث يعلمون ولا يعلمون بالزعيم الأوحد وبعض القادة يقلّدون من حيث يدرون ولا يدرون بالقائد الضرورة لكن الفرق يبقى جليا واضحا بين الأصل والفرع كما كان واضحا بين العراق الأصل والكويت الفرع حينما أفترس الفرع كل خيرات الأصل ولا زال يلتهم من دون رادع .
يقال ان احد الأشخاص جاء الى سوق الغزل في بغداد ليبيع كلبين لديه كلب صغير وكلب كبير فسأله أحدهم عن السعر فقال له إن الكلب الكبير بخمسين الف دينار أما الصغير فهو بمئة الف دينار فأستغرب الرجل وسأله عن السبب فقال له لأن الكبير كلب اما الصغير فهو كلب ابن كلب .