ا.د جهاد كاظم العكيلي ||
الوطن والمواطنة كلمتان متلازمتان لا يمكن فصل احدهما عن الأخرى تحت أي ظرف كان، ويلتصق المواطن بوطنه أكثير وأكثر إذا كانت هناك سلطة تعمل على خدمته وتلبية إحتياجاته وصون حقه في أن يحيا حياة حُرة وكريمة، لكن هذه المتلازمة تبدأ بالتصدع حين تكون السلطة في وضع هش لا يمكن معه خدمة المواطن وتلبية إحتياجاته المشروعة كما يجب وينبغي، وحينها تأخذ هذه المتلازمة بالتلاشي حين تصير موضع تندر على ألسن الشعب في ظل وضع غير مؤلوف، وحينها تنطلق التفسيرات التي تحمل بين طياتها عدم الرضى او التراجع عن الأدوار الشعبية تجاه الوطن ..
وكم هو مسكين وطننا العراق الذي لطالما يتحمل اللوم والنقد والرفض الشديد من قبل المواطن من دون أن يكون له أي صوت يُسمع، ذلك أن الذي يمسك بزمام العلاقة بين الوطن والمواطن ويتحكم بهما هي الدولة بشكل عام او الحكومة على وجه التحديد، فالمواطنة بمفهومها البسيط هي إرتباط المواطن بالوطن بشكل عضوي وهو يعيش تحت خيمة يؤدي تحت ظلها ما عليه من واجبات وينال ما له من حقوق وفق القوانين المنصوص عليها من قبل الدولة ..
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو، لماذا جدل اللوم يحصل عند المواطن إزاء وطنه او بعبارة أخرى، لماذا لا يرضى المواطن عن الوطن الذي تربى وترعرع فيه ..
هذا التساؤل وتساؤلات أخرى كثيرة ترتبط الإجابة عليها حينما يتعرض المواطن او الشعب بشكل عام إلى وضع يشبه الإنفصال النفسي والإجتماعي الذي يتعرض له في معظم الأحيان وهو يعيش في وطن لا يجد فيه من يحقق له آماله وطموحاته المشروعة، وفي كثير من الأحيان نسمع على ألسن الناس وهم يندبون حضهم العاثر على وجودهم في هذا الوطن او ذاك..
من هنا نقول كم أن الوطن مسكين، مع إنه معطاء دائما وعطائه غير محدود، لكن الكثير من الناس هم في موقع الجاحد له او الجاحد بحقة، وإذا ضربنا مثلا على ذلك بوطننا العراق فإنه كان يعيش في مراحل محددة حالة فريدة من نوعها من بين دول أخرى كثيرة طبقا للعلاقة الإرتباطية السائدة بين الوطن والمواطن، ذلك أن العلاقة الإجتماعية التي كانت تربط الفرد بالمجتمع السياسي المتمثل بالدولة تعزز روح المواطنة والصلة بالوطن بشكل تلازمي، لكن هذه العلاقة أخذت تتلاشى مع وجود النظم السياسية الفاسدة التي شوهت معظم مفاهيم وقيم المواطن العليا إزاء وطنه ومنها تغييب الحقوق والواجبات ..
بمعني آخر إن التراجع الكبير في تغييب حقوق المواطن من قبل السلطة، ومنها حقه في أن يتمتع بحياة حُرة وكريمة والتمتع بشيء من الرفاهية، وبناء إنسان مُتحضر عن طريق تطبيق السلطة لنظام تعليم متطور ورعاية صحية وخدمات إجتماعية متقدمة، هي العوامل المهمة التي تشكل متلازمة المواطن والوطن فضلا عن ضمان السلطة لحق المواطن، لا سيما النخب المعرفية والعلمية والأكاديمية والكوادر المتقدمة، في أن يعيش العدالة في إطار المساواة الكاملة بين الجميع، وأن يفسح أمامه المجال لممارسة حقه السياسي بشكل فاعل للمشاركة في صناعة حكومة وبرلمان ومجالس محلية ذات مضمون ومحتوى حقيقي لا شكلي ..
من هنا يمكننا القول أن هذه العوامل أسهمت بشكل او بآخر في التحكم بدرجة علاقة المواطن بوطنه، رغم أن الشعور النفسي للمواطن بالإنتماء والولاء وحماية الذات إزاء وطنه كبيرة، لكن التشوهات السياسية التي سادت في عملية إدارة الحكم وفق نظرية الحق الإلهي في السلطة أثرت سلبا وأبعدت المواطن عن حقوقه المشروعة، مما جعلت حالة التذمر صفة غالبة عند الناس، وأفقدت عند الكثير من المواطنين الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه وطنهم، بعد أن كانت هذه العوامل ذات أواصر شديدة ومحكمة في البناء والعطاء يبذل من خلالها المواطن الغالي والنفيس من إجل وطنه، لكي يكون مصانا ومحترما بين الشعوب والأمم ..
وإذا كان هناك ثمة سبيل لترميم واقع الحال، فإن ذلك يتطلب من السلطة العمل على إعادة تكوين عقد إجتماعي جديد يرتبط به الوطن بالمواطن كمتلازمة ضرورية تقوم على أساس الحقوق والواجبات التي تكفل أمن وإستقرار المتلازمتين معا، وذلك عن طريق إصلاح النظام السياسي الذي يتولى تسيير أمور وشؤون إدارة الدولة ..
لكن واقع الحال لا يزال يؤشر لنا بوضح، من أن الكثير من التساؤلات حيال ذلك ستظل الإجابة عليها مرهونة بيد من يمتلك زمام القيادة السياسية!..
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha