منهل عبد الأمير المرشدي ||
· إصبع على الجرح
نذكر ونتذّكر ونحتفظ في وجدان مخيّلتنا بتلك الصور التي لا تنسى عن أيام الإمتحانات حينما كنّا نستعد لها نفسيا وعقليا وبدنيا . كنّا نمسك بالكتاب لنقرأه ونحن نمشي تحت مصباح عمود الكهرباء في الشارع بل ان بعضنا كان يتحفّى فيخلع نعاله ليشعر بخفة في الحركة وكأنه بالواد المقدس طوى .
كنّا في الشهر الأخير ما قبل الإمتحانات في عالم آخر صديقنا وحبيبنا والأقرب لنا ومن هو معنا هوالكتاب ولا شيء غير الكتاب .
كنّا نتوجه صباح يوم الإمتحان مكللين بالهمة ودعاء الوالدين والدعاء والجد والإجتهاد .
ذلك الجيل الذي أنجب فينا العلماء والأدباء والأطباء والمهندسين والرجال الرجال الذين استوطنوا ذاكرة الوطن والنساء اللواتي انجبّن اجيالا مؤطرة بالعفّة والشرف والحياء فكانت تستحق العراق ويستحقها العراق .
اما اليوم . اليوم وبعد ان نخر الفساد مفاصل مفردات الحياة وثوابت الأخلاق والمؤسسات من الرأس حتى القدم تحت مسميات العولمة والتشرنة والقولبة وما فوق الزعامة وما تحت الزعامة فقد تغيّر الحال وتبدلت الأحوال .
لم يعد الغالب الأعم من طلابنا يتهيأون للإمتحان كما كنا نتهيأ ولا يخشون الإمتحان كما كنّا نخشى او يهابونه كما كنا نحن . لا داعي للإستعداد بالقراءة او المراجعة او السهر من اجل الحفظ ما قبل الإمتحان . صار الأمر مختلفا تماما . شيء لا يشبه كل الأشياء . لا يمت بصلة للتربية او الأخلاق او العقل السليم .
الكثير من ابنائنا اليوم يستعدون ليوم الأمتحان بتهيئة اساليب الغش وبأحدث الوسائل وأحقر السبل . فكل الوسائل متاحة مستباحة لتحقيق . منظومة مكتملة الأركان من الفساد تبدأ من نقطة الصفر عند الأسرة التي لا تسأل ولا تتابع او تراقب الأولاد وأين يذهبوا وماذا يفعلوا مرورا بمكاتب ومكتبات تهيء اسباب الغش وتتاجر بها من سماعات الأذن الى لواصق صغيرة تلصق على الجلد تحمل مختصرات للمواد المرشحة وانتهاء بالمدرسة وما ادراك ما يحصل في المدرسة .
مع كل احترامنا للأساتذة الشرفاء والنبلاء من اخواننا واخواتنا الا ان البعض من المدرسين او المدرسات يرى في ايام الإمتحانات فرصة ربح في موسم تجاري ناجح لبيع الأسئلة وتسهيل عملية الغش فيما يجد الكادر التعليمي الملتزم نفسه في دائرة الخطر حيث اصبح ضبط الطالب متلبسا بالغش واخراجه من قاعة الإمتحان تعني ان المدّرس او المدرسة الذين قاموا بذلك سيتعرضون للدكة العشائرية والعطوة ثم الفصل العشائري و(من هالمال حمل جمال) .
ايها الناس ان كان فيكم عاقلا او قد تبقى شيء من الإحساس اننا نؤسس ليكون ابنائنا اسباب دمارنا فأصحوا وتحركوا وها انتم تشاهدون نواب في البرلمان يزورّون شهاداتهم وقادة ومسؤولين لا يعرفون صياغة جملة مفيدة او يكتبون اسمائهم بشكل صحيح .
بعد عشر سنين من الآن او أقل من ذلك سوف لم يكن الطبيب فينا طبيبا مهنة واخلاق ولا المهندس مهندسا فهما وعقلا ولا المحامي او القاضي محاميا لغة وعدلا . سوف نعلن قائمة الإفلاس من العلم والعلماء . ايها الناس راقبوا وانظروا وكما يقول البعض ( بحلقوا) في ابنائكم فلم يعد في اغلبهم ما يدل على عراقيتهم بما يعنيه العراق ارثا وحضارة ومقدسات . لم يعودوا يشبهون العراق ولا العراق يشبههم .
لقد ضربونا في القلب وتحت الخاصرة فالتعليم ركن البناء وسقف البيت وهوية الغد كما هو القضاء صمام الامان وميزان العدالة وعنوان الحق . رسالة اضعها امام كل من يعنيه الأمر بيت واسرة ودولة وحكومة ومؤسسات دينية واجتماعية شاكرا لأخي الفاضل ابو نور لتنبيهي لهذا الأمر الخطير لاكتب فيه والله من وراء القصد .
ـــــــ
https://telegram.me/buratha