حازم أحمد فضالة ||
﴿… يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ﴾
[المعارج: 11-12-13-14]
لا يحق للإنسان مطلقًا، سواءٌ أمجرمًا كان أم صالحًا؛ أن يفتدي بأبيه وأمه أي مخلوق في الكون، وهذا محرم عليه في القرآن الكريم.
في سورة المعارج، ذكر القرآن بحْث المجرم عمَّن يفتديه من العذاب، وذكر الفئات التي تدور في تفكير المجرم وهي: بَنيه، صاحبته، أخيه، فصيلته التي تُؤويه، من في الأرض جميعًا.
لماذا القرآن الكريم لم يذكر: أبيه وأمه، والده ووالدته؟
لعل الجواب الأقرب للحقيقة، هو أنَّ المجرم لو طلب ذلك؛ لطرده الله سبحانه من رحمته طردًا لا مغفرة بعده أبدًا، ولأنَّ القوانين في يوم الحساب تختلف عن الأرض، فإنَّ المجرم سيرى منزلة الوالدين عند الله عزَّ وجل، لذلك لا يجرؤ على المساس بهما؛ بسبب منزلتهما العظيمة عند الله!
نقرأ عبارات في الموروث الإسلامي: (بأبي وأمي، أفديكَ بأبي وأمي)؛ ألا تبدو أنها مخالفة للتربية القرآنية؟ فكيف تسنَّى للوَلَد التصرف بأبويه هذا التصرف، ومن سمح له بتقديمهما فداءً للأنبياء والأولياء؟
الولد له الحق بالكلام عن نفسه هو، وأن يفدي هو الأنبياء والأولياء (وهي منزلة عظيمة تشرِّفُنا نحن المؤمنون بالأنبياء والولاية)، لكن أن يرى لنفسه حق التصرف بأبويه؛ فهذا ربما غريب عن تربية الإسلام، ولا فرق بين الحقيقة والمجاز، والمجرم والصالح، والفداء لأيٍّ كان، فالمعيار هو المنزلة الإلهية التي وضعها الله سبحانه للأبوين والوالدَين.
يقول سبحانه وتعالى عن الوالدين:
﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾
[الإسراء: 23]
وهنا تظهر منزلتهما العظيمة عند الله؛ في ربط الإحسان للوالدين بالتوحيد! وعدم قول (أُفٍّ﴾ لأيٍّ منهما، ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾، ووجوب أن يقول لهما الوَلَد ﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾؛ أما السِّر البلاغي في القرآن الكريم هنا بتنكير: ﴿أُفٍّ، قَوْلًا كَرِيمًا﴾، ولم يقل: (الأفّ، القول الكريم)؛ فهو لأنَّه يعني بكلمة ﴿أُفٍّ﴾ مُطْلَقًا: لفظًا وسلوكًا وحركةً ووزنًا، وكل قول لهما يجب أن يكون ﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾، أي: القول المطلق لهما لا بد أن يكون: ﴿قَوْلًا كَرِيمًا﴾، ولا يُسمَح أن يخترقه غير ذلك من قول غير كريم، من أجل ذلك ترك الأفعال هذه من غير تعريف بالألف واللام، وهذا يُظهر الدقة العالية بالتشريع الإلهي.
والحمد لله ربِّ العالمين
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha