المقالات

القناعة من اسس سعادة الفرد والمجتمع


الشيخ محمد الربيعي ||

 

◼️• معنى القناعة:

القناعة هي الرضا بما يمتلكه الفرد دون البحث والتشويق عن ما يفقده، فيها يسهل العيش وتحلو الحياة ويصل الفرد للمراتب العليا، ولها تأثير لا يضاهى على الفرد والمجتمع، وبدونها يشعر الفرد بالحزن والقهر والذل والضعف والهوان

والمجتمع .

للقناعة لها عظيم الأثر على الفرد والمجتمع، فتجعله بأسره يعيش في سلام وأمان دون ضغينة أو كره أو حقد.

القناعة: هي الرضا بما أعطاه الله، وكتبه وقسمه.

القناعة: استغناء بالموجود، وترك للتشوق إلى المفقود.

القناعة: استغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث.

القناعة: أن يكتفي المرء بما يملك، ولا يطمع فيما لا يملك.

القناعة: امتلاء القلب بالرضا، والبعد عن التسخّط والشكوى.

فليس القانع ذلك الذي يشكو خالقه ورازقه إلى الخلق، ولا الذي يتطلع إلى ما ليس له، ولا الذي يغضب إذا لم يبلغ ما تمنى من رُتَب الدنيا؛ لأن الخير له قد يكون عكس ما تمنى.

كما أن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيرا، فالغني أيضا في حاجة إلى قناعة، كما أن الفقير في حاجة إلى قناعة؛ وقناعة الغني أن يكون راضيا شاكرا، لا جاحدا ظالما، قناعته أن لا تَلجَ أمواله إلى قلبه، حتى يصبح عبدا لها. قناعته أن لا يستعلي بماله على الفقراء، وأن لا يوظف ماله في الاستيلاء على ممتلكات الآخرين والاعتداء على حقوقهم.

فكم من صاحب مال وفير، وخير عظيم، رُزق القناعة! فلا يغشّ في تجارته، ولا يمنَع أُجَراءَهُ حقوقَهم، ولا يذلّ نفسه من أجل مال أو جاه، ولا يمنع زكاة ماله؛ إن ربح شكر، وإن خسر رضي؛ فهذا قنوع وإن ملك مال قارون.

وقناعة الفقير أن يكون راضيا بقسمة الله، مستسلما لأمر الله، لا ساخطا ولا شاكيا، ولا جزعا من حالِه، ولا غاضبا على رازقه. قناعته أن لا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، قناعته أن يكون عفيفا متعففا، وأن لا يرتكب الحرام من أجل الحصول على لقمة العيش.

فكم من مستور يجد كفافًا؛ قد ملأ الطمع قلبه، ولم يُرْضِه ما قُسِم له! فجزع من رزقه، وغضِب على رازقه، وبثّ شكواه للناس، وارتكب كل طريق محرم ليُغني نفسه؛ فهذا منزوع القناعة وإن كان لا يملك درهمًا ولا فلسًا

▪️القناعة شفاء ودواء؛ شفاء من داء الجشع والطمع، شفاء من الهموم والأحزان، شفاء من الكراهية والحسد، شفاء من نهب الأموال والاعتداء على الممتلكات.

▪️للقناعة أهميّةٌ كبرى وأثر بالغ في حياة الإنسان، فهي تحقّق الرخاء النفسي والراحة الجسدية، وتحرّر الإنسان من عبودية المادّة، وتفتح باب العزّة والكرامة والإباء والعفّة والترفّع عن صغائر الأمور.

 إنّ العبد القانع عفيف النفس وهو أسعد حياةً وأرخى بالاً وأكثر دعةً واستقراراً، وهو من هؤلاء الذين مدحهم الله بقوله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 273). لذا، صار القانع أغنى الناس، لأنّ حقيقة الغنى هي غنى النفس، والقانع راضٍ ومكتفٍ بما رزقه الله تعالى، وهو لا يحتاج أحداً ولا يسأل سوى الله تعالى.

▪️ القناعة تمدّ صاحبها بصفاء ويقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفّزه على التأهب للآخرة، والقيام بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها،

◼️ومن الأسباب المؤدية للقناعة .

▪️- تقوية الإيمان بالله تعالى، وترويض القلب على القناعة، والرضا بما قسمه الله تعالى مع العلم بأنّه ما كان ليخطئني ما أصابني، وما كان يصيبني ما أخطأني، والاستعانة بالله والتوكل عليه والتسليم لقضائه وقدره.

▪️ - النظر في حال الصالحين وزهدهم وكفافهم وإعراضهم عن الدنيا وملذاتها. - تأمل أحوال من هم أقل منا. - معرفة نعم الله تعالى والتفكر فيها، وأن يعلم أن في القناعة راحة النفس وسلامة الصدر واطمئنان القلب.

▪️ - معرفة حكمة الله تعالى في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد. - العلم بأنّ الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء وكثرة الحركة وسعة المعارف، واليقين بأنّ الرزق مكتوب والإنسان في رحم أُمّه.

◼️اهمية القناعة :

تظهر أهميّة القناعة بشكل جليّ عندما يتحرّر الإنسان من قيود المادّة، لأنّ التمسّك بالمادّة ذلٌّ على عكس القناعة التي تورث الإنسان العزّة والكرامة. أمّا الثروة والمال فلا تعطي صاحبها الأفضلية على الآخرين سوى بالمال وليس بالمحاسن والفضائل المعنوية، لأنّ المال قابلٌ للزيادة والنقصان، بل والزوال أيضاً، بعكس القناعة التي هي كنزٌ كما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «لا كنز أغنى من القناعة»، بل وهي كنزٌ لا يُفنى كما في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: «القناعة كنز لا يُفنى»، لأنّها كنز معنوي، نتيجته تحصيل المقامات المعنوية الرفيعة، كيف لا؟ وهي من أهمّ الأمور التي تُعين الإنسان على

صلاح نفسه كما في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أعوَن شيء على صلاح النفس القناعة». وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: «القانع غنيّ، وإن جاع وعري»، وقال (عليه السلام): «المُستريح من الناس القانع»، وقال (عليه السلام): «القانع ناجٍ من آفات المطامع». وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «مَن قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الناس». وعنه أيضاً (عليه السلام) قال: «حُرم الحريص خصلتان ولزمته خصلتان، حُرم القناعة فافتقد الراحة، وحُرم الرضا فافتقد اليقين».

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُون) (التوبة/ 85). وقال عزّوجلّ أيضاً: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه/ 131).

◼️نصائح حتى تتحقق القناعة

يحاول الكثير من الناس النجاة بأنفسهم بعيداً عن ملذات الحياة الدنيا،  وهنا ننصحكم بالآتي :

▪️البعد عن الإسراف والتبذير وتعويد النفس على الاقتصاد في الإنفاق دون إفراط ولا تفريط.

▪️الإلحاح في الدعاء مع اليقين بأن الله سيقبل الدعاء وسيرزقه بالقناعة، بما يحتاجه.

▪️الإيمان التام بأن الأرزاق مقدرة ومقسومة ومن ثم لا يجب النظر لما في يد الغير من الخيرات.

▪️تعويد النفس على القناعة يكون تدريجياً، فيجب القراءة كثيراً عن الطمع وعاقبته السيئة التي تهوي بصاحبها للجحيم.

▪️المداومة بالنظر لمن هو أقل منا في الرزق، وشكر الله على نعمة التي لا تعد ولا تحصى، وذلك وفي الإسلام ووفقاً لما جاء في حديث النبي الخاتم ( ص ) ( إذ يقول ‘ انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ).

▪️العلم التام بأن التفاوت في الأرزاق لحكمة يعلمها الله عز وجل فلكل نفس رزقها، ويجب دايماً تذكر بأن الحياة فانية وأن القناعة هي عزة النفس والطمع هو ذل ومهانة.

◼️الخاتمة نقول :

القناعة رزق عظيم يهبه الله لمن يشاء من عباده، فهي سبباً في ارتقاء الشخص القانع إلى درجة الصالحين، لذا يجب علينا جميعاً أن نتحلى بالقناعة والرضا بما  كتبه الله لنا، ففيها فائدة عظيمة للمجتمع فيعم السلام والألفة ويتلاشى البعض والكره، لذا يجب علينا جميعاً أن نجاهد انفسنا ونصل لمرتبة القانعين بما يرزقهم الله به، ولقد وضحنا تفاصيل آثار القناعة على الفرد والمجتمع .

اللهم احفظ الاسلام واهله

اللهم احفظ العراق و اهله

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك