منهل عبد الأمير المرشدي ||
* إصبع على الجرح
كلما اقتربنا من شهر محرم الحرام حتى تهيئنا وسلمنّا لمكامن الحزن والحداد على مصيبة عاشوراء وشهادة ابو الأحرار سبط الحبيب المصطفى ابي عبد الله الحسين عليه السلام في واقعة الطف بكربلاء . .
ليس موضوعنا اليوم عن تلك المأساة التي حلت على أمة الإسلام بما قام به الظالمون والطوغيت من ابي أمية بانتهاك محارم رسول الله وقتل الأولياء والصالحين من ال بيت عليهم السلام والصحابة الأبرار فذلك موضع سيكون متسيدا على قلمي في قادم الأيام إن شاء الله . اتحدث عن موضوعة التمن وقيمة التي أمست شيء لازم الطقوس وصار حقيقة نعيشها في كل عاشوراء .
رائحة (التمن والقيمة ) تغزو أنوفنا وطعمها تتذوقه شفاهانا قبل ان نطبخها حتى غدت جزء من الطقوس وركن يستوطن الذاكرة وشيئا مكملا لمعنى ان نكون في محرم . لابد لنا ان نّمر بعجالة وإيجاز عن أصل هذه الوجبة من الطعام حيث يرجع البعض تـأريخها الى وصول موكب السبايا للكنيسة او الدير حين امر الامام الإمام السجاد عليه السلام باعطائهم طعام ذا قيمة يعني قيمة غذائية تسعفهم من تداعيات التعب والمأساة فصارت عادة انه القيمه تطبخ بمحرم. فيما يرجعها البعض الآخر لسنة ١٩٢٠ إثر اندلاع ثورة العشرين حيث طبخ السيد(جواد الطوسي ) في النجف الاشرف القيمه في يوم العاشر من محرم ونذر اذا تحققت اهداف الثوره يطبخ القيمة كل عام ومن يومها اهل النجف وباقي المحافظات يطبخون القيمة .
هناك من يرى ان بعض الميسورين المؤمنين الذي كانوا يطبخون الطعام بثواب الامام الحسين يعانون من عدم امكانية توزيع اللحم بالتساوي فنصحهم اهل الحكمة والجود أن يطبخوا القيمة يهرس اللحم حتى يتوزع بالتساوي على الناس . فيما نختتم الروايات في هذا المجال بان سيدنا إبراهيم عليه السلام كان يطبخ الحمص والعدس للفقراء لأنه مفيد جدآ وهذا الشيء مذكور في مكارم الأخلاق يعني إن الأمر تأسيا علی نهج الأنبياء والرسل والائمه سلام الله عليهم .
اما نحن فقد عرفنا (التمن وقيمة منذ نعومة اظافرنا عنوانا من عناوين شهر محرم الحرام وحتى النظام البعثي المقبور الذي كان يمنعنا من الطبخ ويأتي بعض ازلام صدام المقبور ليقلبوا قدور القيمة على الأرض عاد في سنينه الأخيرة ضمن حملته الإيمانية ليطبخ القيمة في العاشر من محرم كل عام ويوزعها على الرفاق وابناء الرفيقات .
لكن علينا ان نؤكد ونشير الى ان وجبة طعام التمن وقيمة كانت عنوانا من عناوين التحدي للسطة الغاشمة حيث كانت عملية الطبخ وتوزيع الطعام ايام عاشوراء تذكير للأجيال بمصيبة ابي عبد الله الحسين وحضور سنوي يحفز ذاكرة الأجيال مصداقا للشعارالقائل ( ابد والله ما ننسى حسينا ) . وبقدر ما يحمل موضوع القيمة من جوانب ايجابية كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر اكرام الفقراء والمحتاجين حتى ان الكثير من العوائل تكتفي بما يتم توزيعه خلال شهر محرم وصولا الى يوم الأربعينية العظيم ولا تطبخ الطعام في بيوتها طوال تلك الفترة .
كما ان قدور الطعام التي تملأ الشوارع خصوصا في الأربعينية ولمسافات طويلة تدّل على الكرم العراقي السخي الذي لا يضاهيه اي كرم كان .الا اننا علينا ان نتحاشى الوقوع في مهاوي الزلل بهذا الأمر كما يحصل عند البعض الذي يجمع مالا من السحت الحرام او الرشوة او الربا ليطبخ التمن وقيمة .
او ذاك الذي يطبخ للرياء والتباهي وليس في نيّة خالصة لوجه الله بثواب ابي عبد الله عليه السلام حتى ان قدوره التي يرصفها على الشارع العام تكون بإنتظار السيارات الفارهة من اصحاب السطوة لإملاء قدورهم قبل الفقراء والجيران .
بقي ان اقول اخيرا ان من لا يقيم الصلاة ولا يخشى الله ومن لا يوحد الله فيعبد وثن من اوثان السياسة ومن لا يراعي الشرع في حلّية المال الذي يدخل بيته ومن لا يراعي حدود الله في ارحامه ووالديه فعليه ان يعرف ان لا قيمة لكل ما يطبخ من قيمة .