منهل عبد الأمير المرشدي||
إصبع على الجرح ..
يبدو واضحا ان هناك تباينا كبيرا بين الشرق والغرب في التعامل الذاتي مع الخزين المعرفي والصورة المعّبرة عنه في ظاهر الشكل لصاحبه .
من البديهي جدا ان تلتقي في شوارع اوربا أو اي مطعم بسيط او استراحة مقهى بأي مسؤول مهما كان منصبه حيث يصعب عليك تمييزه من بين الآخرين من حيث البساطة في المظهر فقد تجده بقميص بسيط او تي شيرت او بدلة اعتيادية وليس هناك مواكب ترافقه من سيارات (الويص ويص) او حماية تحيط به او تهرول خلفه وأمامه وعلى يمينه وشماله كما هو حال المسؤول لدينا فالمسؤول في اوربا هو موظف حكومي ليس الا وموقعه الذي يشغله هو وظيفة من وظائف الدولة له فيها ما للآخرين وعليه ما عليهم .
اما لدينا فالموقع هو منصب بكل ما تعنيه كلمة المنصب من تتويج وتعظيم وتأطير وحمايات وامتيازات ما انزل الله بها من سلطان . لذلك فأن مساحة الإبداع والإنتاج والفعل والعمل عند المسؤول في الغرب حاضرة بقوة وهي أكبر نتاجا حيث يتصرف ضمن سياق قانوني يحدد صلاحياته وواجباته من دون تكليف او غرور او تباهي او تفاخر
. أما لدينا فلا مجال للمسؤول حتى ان يفكر بشكل طبيعي ولا حتى يتحدث بشكل طبيعي فتجده ينقلب على ذاته فيغدوا يؤدي مشهدا تمثيليا في نبرات صوته وضحكته وتكشيرته وطريقة كلامه وحركات كفيه وغمزة عينيه معززا ذلك بأرقى بدلة يحصل عليها من داخل العراق وخارجه واغلى حذاء استطاع العثور عليها بسعر ولا في الأحلام وعطر لا يعرف اسمه لكنه اشتراه لأنه تجاوز في سعره الألفي د
ولار . المسؤول في الغرب يعيش من راتبه الشهري ويعتمد عليه في ميزانية صرفه ويستقطعون منه نسبة الضريبة إسوة بأي مواطن لذلك فإنه من البديهي جدا ان تجد الوزير او المدير العام في اوربا يسكن في شقة صغيرة مستأجرة او بيت صغير في القر
ية . اما لدينا فسبحان الله مغيّر الأحوال من حال الى حال . ما يحصل للنائب في البرلمان او الوزير او المدير عام هو إنقلاب سماوي وزلزال كوني يقلبه على عقبيه من اللاشيء الى كل شيء . من حموي ابو العنبة الى الحاج وجاء الحجي وخرج الحجي وقال الحجي وسكت الحجي وكل مسؤول في العراق هو حجي مع سبق الإصرار والترصد في هذا العام وكل عام وما ادراك ما الحاج . معصوم بحصانة من الزلل والخطأ والفساد والحساب والعقاب وحتى العتاب .
اكثر الحجاج المسؤولين لدينا وربما جميعهم بأستثناء ثلة من الأولين وقليل من الآخرين هم فاسدين لصوص منافقين كذّابين يأكلون هم وعوائلهم من السحت الحرام وهم يعلمون بذلك ويعلمون اننا نعلم ونحن ايضا نعلم بهم ولكنهم سكارى في بحبوحة الحصانة والرزانة ورحم الله المبجلّون المحترمون الفطاحل رؤساء الأحزاب والكتل شلع قلع . ما بعد هذا وذاك صار ابن المسؤول لدينا يورث اباه فإبن النائب يحضّ
ر نفسه ليكون نائب في الدورة القادمة وابن الوزير لابد ان يكون وزيرا يوما ما وابن رئيس الكتلة عليه ان يهيء نفسه ليستلم راية الرئاسة عاجلا او آجلا وابن الزعيم شاء من شاء وأبى من أبى .. لست ادري كم بلغت المسافة بيننا وبين الغرب عملا وثقافة وحضور وحيا
ة . لم نأخذ منهم الا كل ما تشمئز منه النفوس والتفاهات فيما لو تفحصت مفردات حياتهم تجد مفاهيم الإسلام الحقيقية مجسدة لديهم من الصدق والتواضع والنظافة ,
بقي ان اقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا أبيض على أسود ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب . أما انا فأقول ما قاله الشاعر إن الفتى من يقول ها أنذا , ليس الفتي من يقول كان أبي . .
ولأن الحسين عليه السلام مصداق حق وحقيقة اقول رحم الله الحكيم الذي قال . ان تکون أعجمياً حسينيا خير من أن تكون عربياً سفيانيا .
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha