سعود الساعدي ||
كثر الحديث في السنوات الأخيرة وخصوصا ما بعد عام ٢٠٠٣ عن إرهاصات النظام الدولي الجديد.
فما بات الحديث عن عالم ما بعد أميركا وانهيار ما أُريد له أن يكون نظام القطب الواحد يقتصر على رصد ومقاربات خصوم واشنطن الإقليميين أو الدوليين وإنما بات موضع قلق وهاجس ترقب مراكز صناعة القرار الأميركي ومحل بحث مراكز دراساته المتخصصة باستشراف المستقبل والتنبؤ بمساراته والإشارة إلى أهم تحدياته وفي مقدمتها موقع القيادة للولايات المتحدة الأميركية وسبل التكيف مع وقائع القرن الحادي والعشرين.
توصف المرحلة الحالية بأنها بداية مرحلة الإنتقال من النظام الى اللانظام الدولي وتتسم بالغموض والضبابية والمفاجآت وانحسار دور الدولة الوطنية وصعود القوى اللادولتية وتعويم السيادة وانتشار الأوبئة وضعف ما يسمى بالقانون الدولي وارتباك وتراجع المنظومة الغربية وصعود الصين وبروز روسيا ودول شرق آسيا وتوظيف مُركب القوة الناعمة والخشنة في سياقات خاصة وأنماط مبتكرة وغيرها من السمات التي تدفع إلى إعادة صياغة الجغرافيا السياسية وتحديث الخرائط وتحقيق الطموحات التوسعية.
من جانبها لا تتوانى المركزية الغربية وتوابعها الخليجية عن استغلال أي فرصة لعزل وتقويض حركات المقاومة في المنطقة وتحتل القوى الشيعية الصاعدة في العراق مساحة متقدمة في دائرة التصويب بسهام الاستهداف للنيل من قوة لافتة لبيئة طالما سيطر عليها الإحباط والسلبية خلال العقود الماضية فركنت إلى التقوقع مع فشل الانتفاضات الشعبية ضد السلطات البعثية الأمر الذي حولها إلى ساحة قتل مباشر بواسطة النظام الصدامي أو غير مباشر عبر خلق الحروب ودفعهم لمحارقها.
مع احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وتحدي داعش بعد غزو المفخخات أيقن الشيعة العراقيون أن الركون والإنزواء أدى إلى قتلهم بالتقسيط المؤجل على يد الديكتاتورية وتكراره مع الاحتلال ودواعشه سيؤدي الى قتلهم المباشر والمعجل فانتقلوا من سكون إلى حركة التاريخ ليفعلوا نظرية الجهاد الدفاعي ويعملوا بمبدأ "ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا" لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - وصولا لمرحلة تحقيق العدالة عبر اقتلاع أصل الظلم في عمق الكفر - ولينحجوا تاليا في صياغة توليفة ثلاثية الأبعاد تمثلت بالجيش الوطني/ الحشد الشعبي/ قوى المقاومة وهي توليفة لو قُدر لها التكامل لحققت الاستقلال والسيادة ولصنعت المعجزات عبر أداء أفقي وعمودي ومزدوج فوق القيود المصطنعة والالزامات المكبلة والإلتزامات المختلفة.
الحديث عن الشيعة هو ليس حديثا عن حالة طائفية متعصبة ومغلقة على نفسها فالطائفية حالة جاهلية تنطلق من رؤى خاطئة لواقع زائف ومصنوع وتنتهي في أحضان الاستكبار وتؤدي إلى تمزيق الأمة المسلمة وإنما هو حديث عن مدرسة ثقافية عريقة وحالة فكرية متجددة تعتمد المبدأ الوحدوي وقراءة لواقع "النظام الاجتماعي الشيعي" وأهم التحديات المعاصرة التي واجهها وابرز "التحديات العاجلة" التي يواجهها اليوم من رؤى إستراتيجية والتي يتقدمها تحدي مشروع "الاجتثاث الذاتي" القديم الجديد الذي يسعى بكل وسيلة لتعميق الشرخ البيني الداخلي وإدامة حالة الإنقسام الحاد المُعجز عن النهوض والمنبئ بالتآكل البطيء والمنذر ب"الإحتراق الذاتي" المستقبلي بالتزامن مع التحديات العامة لكل العراقيين كمشروع الاستيطان - الاحتلال التركي قبل مشاريع الاحتلال الأميركية والغربية المؤقتة وهي تحديات ساهمت أزمة النظام السياسي البنيوية في إيجادها وإدامتها.
فيما يبرز التحدي الأكبر للعراق وتتعاظم أهميته بشكل متسارع وهو تحدي التموضع الإستراتيجي في ملعب النظام الدولي الجديد الغامض والمليء بالأخطار والأقرب إلى اللانظام وأهمية وجود قوى بتوليفة مميزة قادرة على ممارسة أدوارها بمرونة عالية ومروحة خيارات واسعة وحرة.
ــــــ
https://telegram.me/buratha