حمزة مصطفى ||
في الماضي قبل ثورة الإتصالات وتوابعها ومتبوعاتها كانت فترة إختبار مصداقية الخبر لاتتعدى 24 ساعة. الصحف الورقية كانت تتأخر طباعتها حتى ساعات الفجر الأولى بإنتظار خبر لأن كان كل شئ فيها جديد. الأمر إختلف الآن تماما حيث غالبية الصحف الورقية باتت تطبع في تمام الساعة السادسة وتوضع على الموقع الألكتروني بينما تبقى الورقية في ثلاجة المطبعة حتى صباح اليوم التالي. لماذا؟ لأنه لم يعد توزيع رواتب المتقاعدين خبرا جديدا. ولا توزيع قطع أراض لذوي المهن الصحية. ولا المباشرة بتوزيع مفردات البطاقة التموينية, ولا إطلاق سلف للموظفين من المصارف الحكومية.
في الماضي كان التنافس شديدا بين الصحف لأن كل صحيفة كانت تحتكر خبرا أو أكثر من هذه الأخبار. كان هدف التنافس هو إحتكار السبق الصحفي لا غير. حتى بعد إختراع الراديو والتلفزيون فإن كمية الأخبار الخاصة التي تحتكرها الصحف الورقية كبيرة وذات قيمة. منذ ساعات الصباح الأولى كانت الأخبار التي تشيع بين الناس جديدة تماما بعد أن تخرج من فرن المطبعة حارة و"مكسبة ورخيصة". حين دخل الراديو ومن بعده التلفزيون ميدان المنافسة بقيت الحدود واضحة بين المكتوب والمسموع والمرئي. الفرق بين الخبر مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا هو بقدر قيمته التداولية على مستوى المعلومة. العقل الجمعي إعتاد على تسعير المعلومة أيا كانت من حيث الأهمية والخطورة. السعر الثابت وفقا للعقل الجمعي هو إنها اليوم بـ "فلس" وغدا بـ "بلاش". لكن هل تقدير العقل الجمعي للخبر يعبر عن الحقيقة؟ لا بالتأكيد. فخبر توزيع مادة الطحين في الحصة التموينية يختلف تماما عن إنخفاض أسعار النفط . كما أن خبر تعطيل الدوام لأي سبب وهي كثيرة في بلادنا يختلف عن خبر سقوط مدينة خاركيف على يد الروس في أوكرانيا. إذن لماذا يسعر الناس الخبر وبفلس دائما؟ التسعيرة هنا لاتتعدى الرغبة في الحصول على الخبر قبل أن يشيع. لذلك وضع له العقل الجمعي أيام كان لايفرق بين الاهم والمهم والعادي والضروري تسعيرة ثابتة على مستوى اللهفة في حيازته.
بين الأمس حيث كان العالم يقوم على تقسيم صارم بين التقدم والتخلف. أو العالم الأول أوالعالم الثالث أو المدينة أوالقرية, وبين اليوم حيث يجري إختزال العالم كله في مسمى واحد هو "القرية الكونية", فإن السؤال المطروح هو هل بقيت قيمة الخبر السوقية هي فلس مثلما كان عليه الأمر سابقا؟ لا بالطبع لأن الخبر الذي له قيمة سعرية ثابتة لم يعد بحاجة لأن ينتظر الى الغد لكي نحصل عليه مجانا. كل الأخبارالآن بصرف النظر عن محتوياتها هي بفلس وببلاش في آن واحد. فالخبر إن كان صحيحا أو منقولا وهي في العادة الأخبار أو المعلومات الملفقة تنطلق في الفضاء الرقمي التداولي في آن واحد. وبمجرد أن تقع عليها عين القارئ تصبح لها قيمة أخرى بالنسبة له لم تعد محكومة بمعادلة الفلس والبلاش بل بمعادلة أخرى هي الزيف والمصداقية. الفارق بين ماهو زائف وحقيقي هو المثل الآخر الذي غالبا ما نستخدمه حين نشتري رقي وبطيخ وهو "عينك ميزانك". فطالما إنك بمجرد النظر الى الرقية والبطيخة يمكنك معرفة ما إذا كانت رايجة أم فطيرة تستطيع أن تميز بوساطة العين العاقلة بين الخبر .. الرايج والفطير.