الشيخ خيرالدين الهادي ||
مرَّت ذكرى عاشوراء بكلّ ما فيها من الأسى واللوعة والألم, وتجدَّد فيها أحزان أحرار العالم الذين قصدوا كربلاء من كل حدبٍ وصوب؛ ليسجلوا أسماءهم في ديوان الحسين (عليه السلام) فيفوزوا بكرامة الدنيا وسعادة الآخرة؛ لأنّ الحسين(عليه السلام) منح كل الأحرار في العالم سمة الحياة ووهبهم الشموخ الذي لا ذلَّ معه فسارع عُشاقه إلى التقرُّب منه باعتبار أنَّ العزَّة والفلاح لا يكون إلا بالقرب من الحسين الوجيه (عليه السلام) الذي أعطى كلَّه لله فوهبه الله تعالى الحرارة في قلوب المؤمنين في كلِّ عصر وزمان.
إن ما تشهدها كربلاء من الحضور المتنوع من مختلف الجنسيات والالوان والمذاهب والاجناس يؤكد عالميَّة النهضة الحسينية التي حرَّرت العالم من قيود الذِّل والهوان, فالجميع تحمَّل الكثير من أجل الوصول إلى كربلاء؛ ليلتحق بقافلة الحسين(عليه السلام) الممتدَّة عبر بوابة الزمن إلى ما شاء الله تعالى بشكل يمكنه أن يستقبل الجميع من دون ملاحظة مقام الوافدين لأنّ الأمر محسومٌ في كرامة ومقام من كانت الوفادة له ومن أجله وهو الحسين الوجيه(عليه السلام) الذي اتسعت سفينته لكلِّ طالب نجاة يرغب في تغيير مساره والفوز بالرضا والقبول.
ومن المواقف العاشورائية التي باتت تتكرَّر في مشهد العاشر من محرَّم الحرام أنّ هناك مجموعة أصنافٍ من المعذورين وصلوا كربلاء من دون أنْ يلتفتوا إلى موانعهم وعللهم من العوز والنقص في الأعضاء من الأرجل واليدين وغير ذلك من موجبات المنع التي تشكِّل عائقا في حركتهم وسكونهم, وكانوا كمن لا عذر له في تواصلهم وخدمتهم التي كانوا يستأنسون بها وكأنهم موقنين أنهم بمشهد الحسين(عليه السلام) الذي يسمع ويرى كل خادم وزائر ولن يبخل عليهم؛ بل يزيدهم أكثر مما يتمنون.
ومن المشاهد الأخرى التي لن تراها إلا في حضرة الحسين (عليه السلام) أن الجميع تخلى عن عنواناته الكبيرة من الرُتب العلمية والالقاب الفنية والمناصب العالية؛ ليتشرف بلقب خادم الحسين(عليه السلام) فتجد الطبيب والمهندس والعالم والأستاذ والضابط والمدير وووإلخ كلهم اجتمعوا في مساحة واحدة من دون تمييز أو عنوان غير خدمة الحسين(عليه السلام) وخدمة زواره, والكلُّ يشعر مع عطائه الكبير أنّه مقصِّر مع السيد الوجيه (عليه السلام) وهذا يُشعِر بالمقام العظيم الذي خصَّه الله تعالى بالحسين(عليه السلام) كيف لا وهو الذي كان سبباً لاستقامة الدين بوقوفه الصلب أمام إرادة الفاسدين الذي عاثوا في الأرض فساداً وحاولوا القضاء على الاسلام بعودة الجاهلية بلباس أمويٍّ بغضاً للرسالة وصاحبها رسول الله (صلى الله عليه وآله), فنهضة الحسين يمثل النهضة الإلهية والمحمدية والعلوية وليكون كما قيل أن الاسلام محمديُّ الوجود حسينيُّ البقاء وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.