د.محمد العبادي ||
من سمات العرب في الجاهلية والإسلام إكرامهم للضيف ،وقد تغنى الشعراء بذلك ؛ فزهير بن أبي سلمى قد شاهد وجه حصن بن حذيفة الفزاري قد تهلل بالبشر والسعادة عند إستقباله للضيوف وأنشد في ذلك:
تراه إذا ماجئته مُتهللاً
كأنك تعطيه الذي انت سائله
فلو لم يكن في كفه غيرُ نفسه
لجاد بها فليتق الله سائله
ويقول الشاعر :
فلما أتاني والسماء تبلّه
فلقيته اهلاً وسهلاً ومرحبا
إنّ حسن استقبال الضيوف واكرامهم صفة ملازمة للعرب متجذرة في طباعهم دون منّة ، لأن المن يُزري بالجميل وحسن الضيافة .
وتوجد أمثال وقصص كثيرة في هذا الخصوص لكن المقام لا يناسب ذكرها.
أيضاً في الأدبيات الإسلامية قد ذكر القرآن صورة عن الكرم الإبراهيمي، فعندما جاءت الرسل لإبراهيم عليه السلام بالبشرى ذبح لهم عجلاً ودسه في النار ليقدمه مشوياً شهياً لهم(فما لبث ان جاء بعجل حنيذ) ،وقد ورد في الحديث ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
لقد مجد القرآن بذلك الكرم الصافي والقائم على المحبة والذي قدمه أهل البيت ( ويطعمون الطعام على حبه) بلا مقابل ( لا نريد منكم جزاء ولاشكورا).
إنّ الإحسان والكرم من السجايا الراسخة لأهل البيت عليهم السلام ونقرأ في الزيارة:( وعادتكم الإحسان وسجيتكم الكرم).
هذه هي خصال العربي الأصيل حتى في الجاهلية الأولى تنبسط نفسه لضيفه ،وهذه هي آداب الإسلام المتممة لتلك المكارم ،لكن ممايؤسف له قد شاهدنا أزلام البعث(العروبچیه أو النزل على العروبه)واتباع السفارتين الأمريكية والبريطانية قد جاءوا لنا بسلوك غريب عن عاداتنا وتقاليدنا الدينية والاجتماعية في مضايقة ضيوف الحسين عليه السلام، ثم لم يكفهم ذلك ؛ بل تغطوا بعباءة الرموز الدينية التي تبرأت منهم ومن أفعالهم المشينة.
اعتقد ان من وظيفة الدولة الأخلاقية ان تحتضن ضيوفها بحسن صنيعها وبلياقة كاملة وأن تتحرى عن هوية أولئك الذين يسيئون لسمعة البلد وعلاقاته مع جيرانه .
لقد كان الخط الحسيني واضحاً في الشهامة والكرم وقد نالوا من الشرف أعلاه، ومن الكرم أبقاه وأدومه ،وقد أخذ أتباع الحسين عليه السلام أجزل الحظ ؛ فهذا هو هانىء بن عروة قد أصر في محضر ابن زياد الأموي على عدم التخلي عن ضيفه(مسلم بن عقيل) :والله لوكان تحت قدمي هاتين مارفعتهما عنه .ى
وهاهي المرأة الصالحة طوعة تكرم وفادة مسلم بن عقيل وتبسط له يدها في الكرم والإعزاز واصطناع البر بعد أن جفاه أهل الكوفة بصلفهم ولؤمهم .
وفي المقابل نجد ان التاريخ قد كتب عن أولئك الجفاة من أشياع بني أمية ؛ في أنهم قد دعوا الإمام الحسين عليه السلام ليصلح حالهم، لكنه قد ظفر منهم بقبح الملتقى والاجتماع عليه وتنكبوا لقتاله .
هناك فرق كبير بين أولئك الذين تفرقوا عن الحسين عليه السلام من اتباع بني أمية ، وبين أولئك الذين اجتمعوا على نصرته ومودته من شيعته :
وحسبنا هذا التفاوت بيننا...وكل إناء بالذي فيه ينضح