حمزة مصطفى ||
مات ميخائيل غورباتشوف (الزعيم السوفياتي) عن عمر ناهز الـ 92 عاما, ومات سامي مهدي (الشاعر العراقي) عن عمر ناهز الـ 80 عاما. كلاهما مع إختلاف مهنة كل واحد وظروفه مثل زهير إبن أبي سلمى أحوج سمعهما "الى ترجمان". وبينما كانت حاجة بن أبي سلمى الى ترجمان فقط فإن حاجة كل من غورباتشوف وسامي مهدي تحكمها سياقات أخرى بسبب الفارق بين عصره وعصرهما. لم يشفع العمر المتقدم للشاعر سامي مهدي والمتقدم جدا للسياسي غورباتشوف من أن تنالهما بالنقد والتجريح المواقف والآراء والرؤى المتشابكة, المتضاربة, المتقاطعة حد التناقض والتقاطع والإشتباك الحاد في كل شيء بدء مما هو شأن شخصي بل شديد الخصوصية الى عام يتعلق بالإبداع شعرا ونثرا وهو ماكانه الشاعر الراحل سامي, أو سياسة ومواقف وهو ماكانه غورباتشوف.
كلا الراحلين وقد رحلا عن دنيانا في وقت متقارب كانا ومازالا ضحية الأيديولوجية او لعنتها إن جاز التعبير. فيما يتعلق بخصوم سامي مهدي أو كارهيه الذين فرخ الكثير منهم فجأة بعد موته لم تشفع له شاعريته التي لايختلف عليها إثنان بقطع النظر عن كونها تقترب من شاعرية السياب أو سعدي يوسف أو أقل أو أكثر أو مابينهما, كما لم تشفع له جهوده الجادة في النقد والبحث والترجمة بصرف النظر عن أهمية هذه الجهود وقيمتها المعرفية وما أضافته الى الثقافة العراقية أو المكتبة العربية. النظرة بدت مسبقة لجهة البدء بجلسات محاكمة سامي مهدي ولايزال جسدا مسجى بإنتظار الدفن على مواقع التواصل الاجتماعي ومن لدن جمهرة من الادباء والمثقفين ممن نصبوا أنفسهم قضاة يحاكمون ويحكمون عليه وفق أدلة جاهزة أبرزها بل في المقدمة منها الإنتماء الأيديولوجي. أما لوائح الإتهامات فتبدأ من وقائع يثير بعضها الشفقة والسخرية مثل تهمة هي الأسخف من نوعها "ساعة مسروقة" أو إرتداء السفاري أو بدانة مفرطة أو ماشاكل ذلك من قصص وحكايات. كل ذلك وأكثر قيل عن سامي مهدي الذي كان لا "يحل رجل دجاجة" حتى على صعيد إنتمائه الأيديولوجي بالقياس الى وداعته ودماثة خلقه وإنصرافه حتى في ظل الأيدولوجيا التي يعتنقها الى مشغله الإبداعي شعرا ونثرا. ومع أن معظم محبي سامي مهدي ممن حضروا مجلس فاتحته المتواضع تذكروا حكاية القاضي وبغلته, لكن سامي رحمه الله لم يكن قاضيا لكي يفجع ببغلته التي حضرت فاتحتها "أمة الثقلين" بينما حين يموت يدرك أن لايحضر فاتحته أحد. لكن على مدى يومين حضر فاتحة سامي مهدي جمع من الناس والأدباء لايهمهم القاضي الذي "يتلوك" له الناس حيا ويعافونه ميتا بل أكاد القول إنها طبقا لعزلة سامي مهدي المعروفة لكل الناس تعد من أضخم الفواتح إذا قورنت بمعادلة القاضي والبغلة.
أما غورباتشوف الذي راح ضحية فهمه للإصلاح إن كان على مستوى الشفافية أوإعادة البناء طبقا للظروف الدولية والمحلية المحيطة به آنذاك فإن موته فجر بحقه أيضا لعنة الأديولوجيا التي لم يكن متمسكا بها شأن أسلافه وبالذات آخر عجائز الإتحاد السوفياتي. ولعل معادلة القاضي والبغلة إنطبقت عليه تماما بحيث لم يحضر جنازته أحد بمن في ذلك .. فلاديمير بوتين.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha