منهل عبد الأمير المرشدي ||
ــ إصبع على الجرح ..
كثيرة هي الأمور التي ندري بها ولنا فيها رأي وبين جوانحنا موقف منها لكننا لا نجهر برأينا ولا نهوى أو نجرأ أو لا نرغب في البوح به وكأننا لا ندري وبراءة الأطفال في عينينا ! .
تلك الأمور قد تكون في العمل او في المدرسة او بين الأصدقاء والأقارب وعلى مستوى العشيرة وصولا الى عالم السياسة في الحزب او الكتلة .
قد يكون ذلك أحيانا بمثابة الحلم او الصبر او سعة العقل وقد يكون نابع من الخوف او حالة الضعف او انعدام الشخصية او تفرضه طبيعة البعض في التملق والخضوع على قاعدة ( على حس الطبل خفن يا رجليه ) الى ما غير ذلك من مساوئ الذات .
وما بين من يرى ذلك امرا ايجابيا او ما يراه امرا سلبيا لابد من تشخيص الأمر وفقا لما تضفي اليه النتائج لما يتخذه الشخص من ذلك الموقف او التداعيات التي يضفي اليها . البحث يبدوا اكبر من ان يحتوى في سطور او حتى صفحات لكننا نوجز الأمر في المجمل العام لنقول ان الأمر يجمع بين السلب والإيجاب وعلى سبيل المثال لا الحصر وعلى مستوى العائلة لابد للمرء ان يتعامل احيانا وكأنه لايدري ويتجاهل بعض الأخطاء البسيطة او التصرفات غير الصحيحة لأبنائه ويؤجل النظر فيها الى وقت اخر ويكون كمن يدري ويدّعي انه لا يدري ولكن ليس من الصحيح اطلاقا أن يتجاهل اويسكت عن تصرفات او اخطاء تضرب المنظومة القيمّية للأسرة والسمعة والنوماس وثوابت الأخلاق كالميوعة والخنوثة والشذوذ فبذلك يكون رب الأسرة أشبه ب (بخراعة الخضرة) ويتحمل المسؤولية امام الله والناس ونفسه .
وعلى مستوى الوسط المجتمعي والأصدقاء ذلك امر يبدوا اكثر اشكالا لكنه ايسر حالا فإذا ما وجدت رأيك او موقفك سببا لجلب المتاعب لك او القلق او يضعك تحت التهديد مثلا فما عليك الا القبول بأضعف الإيمان وترفض في قلبك ما ترفض وتلعن في سريرة نفسك ما تلعن من دون الانزلاق الى هاوية ( الصلاة مع علي بن ابي طالب أتم والوليمة مع معاوية أدسم ) .
في عالم السياسة عموما وفي العراق على وجه الخصوص تبدوا الأمور اكثر وضوحا بما يحتويه من صراحة وجسارة وقباحة وانعداما للحياء ووقاحة في المواقف لكنها قد تكون اكثر خطورة في تداعياتها . للدليل على ذلك مثلا ما نراه في الغالبية العظمى من اعضاء مجلس النواب حيث لا موقف مستقل لأي منهم ولا رأي او رؤية ولا حتى تعقيب من دون ايعاز او ايحاء من رئيس الكتلة او رئيس الحزب او الزعيم فالكل هنا يمشي بأمر الفرد وفق ما شهدناه في فلم الرسالة وفق نصيحة ( دعوا الناقة فإنها مأمورة ) . .
الخطورة في هذا الأمر ترجع الى ان النائب في البرلمان يضع نفسه من حيث يدري ولا يدري في موضع الخيانة في الأمانة والنكوث في العهد وانعدام الشخصية وإهانة الذات . فالنائب لم يرشح نفسه صدى لصوت غيّره والناس لم تمنحه صوتها الا على اساس وعود قد قطعها لهم وبرنامج قد اعلنه عليهم وعهد قد عاهدهم عليه .
والأخطر من كل ذلك إن وقوف النائب في البرلمان موقف الدمية او الأمعة لا حول له ولا قوة الا برئيس كتلته او رئيس حزبه قد يؤدي الى ضياع وطن وقتل احلام الناس بالرفاهية والخلاص من البؤس والفساد والمنافقين وهذا ما نراه فينا اليوم بالتمام والكمال .
أخيرا وليس آخرا نقول لمن يسمع ولمن يقرأ إن الحرية مع الألم اكرم من العبودية مع السعادة فالسعادة كلها في ان يملك الرجل نفسه والتعاسة كلها في ان يكون مملوكا لغيره او تملكه نفسه . والسلام ..