منهل عبد الأمير المرشدي ||
إصبع على الجرح ..
في ذكرى انطلاق انتفاضة تشرين ضد الفساد والفاسدين حيث كانت ساحة التحرير في بغداد جذوة اشتعال تلك المظاهرات التي كانت زاخرة في أيامها الأولى بتواجد الكثير من النخب الثقافية من الأدباء والكتاب والزملاء والفنانين وغيرهم .
لقد استبشرنا خيرا في تلك الإنتفاضة العراقية الخالدة بالخلاص من مافيات الفساد التي استباحت خيرات البلاد ودمرت الإقتصاد العراقي .
نتذكر كيف تدفق الشباب من ابنائنا الى ساحة التحرير بالمئات ومن بينهم كان جيراننا علاوي ابن صديقي المرحوم ابو غفران الذي خدم الدولة قرابة الثلاثين سنة وكان يعمل بصفة مدير قسم في دائرته إلا ان الراتب التقاعدي الذي تتقاضاه عائلته لا يتجاوز ال400 الف دينار .
كان ذلك الحال هو بعض مما دفع علاوي الذي يشعر بالظلم الى الإنخراط في صفوف المتظاهرين وهو طالب جامعي وإسم علاوي هو ما نحب أن ندلعه به لجمال روحه وطيبته فإسمه الحقيقي هو على .
كان علاوي لا يفارق ساحة التظاهرات طوال اليوم ويبقى فيها حتى ساعات متأخرة من الليل مدفوعا بحب الوطن والحماس للثورة ضد ارباب الفساد .
كنت كلما التقيته اشجعه لكني احذره ان يكون حذرا خوفا عليه بعدما ابتدأت ملامح العنف تظهر في ساحة التظاهرات لكنه كان مشدود العزيمة والحماس ولا يقبل تحذير او نصيحة مشحونا بروح وطنية صادقة .
مرت أيام معدودة على الإنتفاضة وشاهدنا بأم اعيننا ناشطة عراقية قادمة من دبي توزع الدولارات على سواق التكتك حتى ازدحمت شوارع بغداد بطوابير التكتك وهي ترفع شعارات الثورة التي بدأت شعاراتها تتغير بالتدريج من الثورة ضد الفساد الى الثورة ضد إيران ومن الدعوة لإصلاح النظام الى الدعوة لإسقاط حكومة عبد المهدي ومن المطالبة بسيادة العراق الى المطالبة بإسقاط حكومة الشيعة حصرا وضد الإتفاقية الصينية لإعمار العراق واعلان العداء لقوات الحشد الشعبي والتعرض حتى الى صور الشهداء وقادة النصر وصولا الى الإستهزاء بالمرجعيات الدينية رغم ان موقفها كان ايجابيا مع الثورة وطالبت بحماية المتظاهرين .
كل شيء بدأ يتغير بسرعة .
تم خطف اكثر من سبعين زميلا وقتل بعض الصحفين وظهر ما سمي حينها بالطرف الثالث الذي يقتنص المتظاهرين من داخل المنطقة الخضراء بأصابع كردية . ممثلة ومذيعة في قناة الشرقية تظهر بالشارع بصفة امرأة خرساء تبكي ونوزع اوراق الكلنكس على المتظاهرين وماريا ام الببسي من الانبار ترقص وتطلب عريسا من اهل التكتك .
وعنف ما بعده عنف ووجوه من الدواعش والبعثيين في شارع الرشيد وجثة الشهيد الفتى ميثم البطاط معلقة في ساحة الوثبة والمطعم تركي مقسوم لأرباب من سلبوا ثورة تشرين بين الطابق الخامس للدعارة والطابق الثالث لأهل الشذوذ والبقية لكل ما لذ وطاب وطوابق العمارة مفروشة بالسجاد على حساب بن طحنون والقنوات العربية تبث سموم الشحن والفرقة والتحريض وارقام ما انزل الله بها من سلطان من القتلى والجرحى بالمئات .فيما كانت قنوات الشرقية واخواتها تغرد وتزغرد تبارك للحرق والدمار وايقاف التعليم والتجاوز على مؤسسات الدولة .
كان الذي كان فاستقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والغيت اتفاقية الصين وانقسم آل تشرين الى قبعات بيض وزرق وحمر وامسى بعضهم عدوا لبعض .
بين الحيارى وارباب السفارة وانصار غيث التمينمي وظهور زنادقة البعث وبين مدني وشيوعي ومدعوم من الرياض او من انقرة او دبي وبين تائه وثائر مشدوه وبين مفيد ومستفيد حتى حلت تمام الكارثة باستلام السلطة من قبل الأمعة الفاقد لكل صفات الرجولة والقيادة لغة وادراكا وحضور .
هدأت اوتار اللحن واستراح دعاة التشرنة بعدما غابت روح تشرين العراقية التي وللأسف الشديد فقدت روح التعاطف الشعبي ومشاعر الناس الى اقصى الحدود بما انتجت لنا من فساد اخطر وفاسدين اشد فسادا واكثر عمالة للأجنبي فضاعت تشرين وضاعت دماء شهدائها الحق وضاع مصير الزملاء المخطوفين . وأخيرا التقيت حبيبي علاوي وسألته عن اخبار تشرين وما آلت اليه الأمور فطأطأ رأسه ودمعت عيناه وهو يقول لي عمو...
خربت ..
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha