محمود الهاشمي ||
حين يجد الحاكم الاعلى ان الكتل السياسية باتت في مشكلة مع الشعب يحاول ان يثأر للشعب بالابتعاد عن الاحزاب السياسية الموجودة على الساحة وان بهمش دورها ،
وان يعوض عن هذا التهميش للاحزاب بان يكون صاحب القرار الاول والاخير وان يتدخل بالشؤون الصغيرة والكبيرة محاطا بهتاف الشعب من حوله وكسب رضاه بما يقدمه من انجازات وتماهي مع مطالب الشعب .
لاشك لكل زعيم سلك هذا المنهج عذره بان الاحزاب السياسية (غير ناضجة )كما يقول الزعيم عبد الكريم قاسم عن الاحزاب التي عاصرته ،وان يكون قد جرب دنوها منه ،فعاد عليه ذلك بالوبال .!
شخصيات حاكمة كثيرة اعتمدت الادارة الفردية واختيار الشخصيات المتفهمة لمشروعه والبعيدة عن التحزب مثل جمال عبد الناصر الذي تم انتقاده انه يدير الدولة عبر (التلفون).!
وحتى هواري بو ميدين واخرين يصعب احصاؤهم ،وهم متشابهون بادارة الدولة .
اغلب الذين سلكوا هذا المنهج هم من العسكر ،وهناك مدنيون ايضا .
السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني
قدم نفسه بعنوان (مستقل )رغم الاراء والملاحظات الكثيرة التي مازالت تلاحقه بانه
الاقرب لهذه الكتلة السياسية او تلك .
(الاستقلالية)التي منحته تذكرة الحصول على منصب رئاسة الوزراء وفسحة اختيار وزرائه ،جعلته يقتحم ميدان ادارة الدولة دون مشاركة الاحزاب المشاركة بالعملية السياسية ،معتقدا ان ذلك سينجيه من الانتقاد او التبعية ،او ان ذلك سيجعله الاكثر قدرة على الانجاز دون تدخل الاخرين .
السفارة الاميركية لم تتوقف من ارسال الرسائل الى السيد السوداني بانه نجح بالقفز على موانع الاحزاب وانه خيار جيد وقادر على (التوازن )في العلاقات ،فيما ادرك السوداني ان ايران متفاعلة ومتفائلة بترؤسه منصب رئاسة الوزراء .
الشارع العراقي سعيد بمضي السوداني بعيدا عن الهيمنة الحزبية فيما يتعامل التيار الصدري بروية مع ادارة السوداني كونه للان لم (يصطدم )بممالكه ،ويتفاعل جمهور الحشد الشعبي كثيرا مع اعتماد السوداني على الجهد الهندسي للحشد ويبارك انجازاته ،
وهذا محط رضا فصائل المقاومة .
الاقليم لم ينتقد اداء السوداني لسببين الاول للمشاكل التي يعاني منها بالداخل والثاني انتظار ان تصطدم ارادات الاطار فيما بينها!
الحملات التي جرت ضد حيتان الفساد شفت غليل الشعب شيأ واسكتت الاصوات
لكنها حملات مازالت في (القشرة) ولم تتوغل الى العمق ،في نفس الوقت دقت اجراس الخطر عند الكتل السياسية التي باتت تستشعر ان ادارة ظهر السوداني لها قد تعقبها مفاجآت .!
السؤال :-هل يكفي ان تكسب رضا الشعب وتهجر الكتل السياسية ؟
ان كل الذين اختطوا هذا المنهج رغم القناعة بوطنيتهم وتحولهم الى حالة "رومانسية "في قلوب الشعوب الا ان مخاطر العزوف عن الكتل السياسية اكبر من ذلك ،فالشعوب لاتمتلك سوى الهتاف والمشاعر الطيبة والبكاء احيانا .
لم يكن يتوقع احد ان الزعيم عبد الكريم قاسم سوف تنجح اي مؤامرة ضده ،فهو الزاهد في حياته والمضحي بوقته وراحته من اجل سعادة شعبه ،وهو (حبيب الملايين )
الذين حملوا عجلته على رؤوسهم كلما دخل حيا او مؤسسة .
نعم تآمرت عليه الاحزاب وبدأت مشروع التآمر ب(الاعلام)ومحاولة النيل من شخصيته ووصف ب(التفرد )واحتكار القرار ،وب(الدكتاتور).
يوم بدأت المؤامرة كان الشعب ينتظر جهاز الراديو ليسمع انتصار الزعيم ولم يستطع ان يقدم ما ينفع سوى البكاء والاعتقاد بان الزعيم مازال (حيا) وموجودا في (القمر )!
كان انقلاب (63)فاجعة مابعدها فاجعة حيث سيق الزعيم الى مقر الاذاعة وقتل امام الشعب وهو صائم وووالخ .
بعد ايام بدأ مسلسل الاعتداء على النساء في مقرات (الحرس القومي) بدعوى انهن (شيوعيات)!
مات جمال عبد الناصر في ظروف غامضة وتم التآمر عليه بعد نكسة حزيران .
نقول وخلال تجربتنا الطويلة ان الشعب لايحمي (الحاكم العادل )لذا على الحاكم العادل ان يثق بالاخرين وان لايربط كل امور الدولة بيده وكأنه (الرئيس الاوحد )والاخرون
(اغبياء).
عليه ان يقدر ان الاحزاب تملك مالا ووسائل اعلام وتملك انصارا وعلاقات خارجية وعمقا في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية
وتملك (براغماتية)مستعدة ان تتنازل عن كل القيم على ان لا(تهمش)!
بشكل عام على الحاكم العادل ان يصنع علاقات متوازنة وذكية وان يكون قريبا من الجميع ،وان يستفيد من تاريخ العراق السياسي والعالم ايضا ،لان خسارة (الحاكم العادل )كبيرة ،فبعد الزعيم عبد الكريم فقدنا روح ادارة الدولة وتيبست عروق البلد
واصبح العراق عرضة للتآمر والتخطيط ،
كما على الحاكم العادل ان لايعتقد ان خسارته تبقى في حدود (نفسه)انما هي خسارة (فرصة تاريخية ) قد لاتتكرر بسهولة .
قطعا لم اكتب مقالي هذا لولا اني اشم (رائحة دخان )،
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha