السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل / ٢٠٢٢/١٢/٧ .
تستقبلُ الرياض يوم ٢٠٢٢/١٢/٨ ، الرئيس الصيني ،في زيارة ،تُعْد تاريخية في توقيتها وفي ابعادها و تداعياتها العربية و الاقليمية و الدولية . تنتظرُ الرياض رئيساً ،له من الصفات والمهام ، ما ليس للآخرين من رؤساء الدول العظمى : فهو الاب الروحي للحزب الشيوعي الصيني ، و تّمَ اعتبار افكاره بمثابة أسس لسياسة الصين للفترة المقبلة ، و منحهُ الحزب الشيوعي الصيني صلاحيات اوسع من تلك التي منحها للرئيس ماو تسي تونغ .
تنتظرُ الرئيس الزائر ثلاث قمم : قمة صينية سعودية ،وقمة صينية خليجية ، وقمة صينية عربية ، وزيارات الى الرياض وجدّة ومدينة نيوم الساحلية .
و موضوع القمم الثلاث يُذكرنا بزيارة الرئيس الامريكي السابق ترامب عام ٢٠١٧ ، و الذي كرّمته المملكة بأستقبال استثنائي وبقممْ ثلاث كذلك ، ولكن سيّان ما بين الرئيس الامريكي السابق ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ !
الزيارة تدّلُ على ادراك الصين لاعتبارات سياسية استراتيجية تخّصُ المملكة و المنطقة و العالم ،فما هي ؟ : تدرك الصين الدور القيادي السياسي و الاقتصادي الخليجي و العربي للمملكة العربيه السعودية ، وتدرك ايضاً عمق التغيرات الاجتماعية و السياسية التي شهدتها المملكة ،و بوصلة التوجهات السياسية التي تخطّها المملكة اقليمياً و دولياً . مملكة اليوم هي ليست مملكة الامس ؛ لم تعدْ مُرتهنة بسياسة القطب الواحد ، تؤمن وتطبّق وعلناً سياسة تعددّ الاقطاب ، وقد شهدنا ذلك بموقفها في استصدار قرار اوبك + الاخير ، وبالاتفاق مع روسيا و الدول الاعضاء والذي قضى بتخفيض انتاج النفط . تُعدْ المملكة اليوم اكبر مصدّر نفطي للصين ؛ نفط المملكة للصين يشكّل ١٦٪ من مجموع ما تستورده الصين ،بعدها روسيا بنسبة ١٥٪ ،يليها العراق بنسبة ١٠٪ .
بين المملكة والصين تعاون عسكري مُتقدمْ ،في الصواريخ البالستيّة وفي الطاقة النووية ، أزعجَ و اغاظَ الولايات المتحدة الامريكية ، التي اوفدت رئيس المخابرات المركزية الامريكية ، السيد ويليم بيرس الى المملكة في شهر مايس الماضي والتقى بسمو ولي العهد .( حسب موقع ذا انترسبت الامريكي في ١٣ مايو عام ٢٠٢٢ ) . تجدر الاشارة بأنَّ التعاون السعودي الصيني في تطوير الصواريخ البالستية ترسّخ بعد ان سحبت امريكا بطاريات صواريخها من المملكة .
تنظيم القمم الثلاث في الرياض رسالة من المملكة للصين وللعالم بدورها القيادي العربي ، و اعتقد بأنَّ هذا الدور سيتعزًز عربياً و اقليمياً و دولياً حين تُكلّل مساعي المملكة بأنهاء حرب اليمن ، و بعودة سوريا الى الشمل العربي ، و بدعم حقوق الشعب الفلسطيني و بتفعيل مبادرة السلام العربية ، والتي اطلقتها المملكة عام ٢٠٠٢ .
تدركُ الصين و آخرين متابعين للمسار السياسي و الاقتصادي للملكة العربية السعودية ، ونحنُ من بينهم ، بأنَّ تمسّكُ المملكة وايمانها بعالم متعّدد الاقطاب ، وليس احاديّ القطب سيصّبُ في تعزيز دور ونفوذ المملكة إقليماً و دولياً .
الزيارة و القممْ المُنتظرة لا يخلوان من حذرْ ،ماهو و لماذا ؟
هو حذر يراودُ الصين مثلما يراودُ المملكة ، و حذر و ترقّب ينتابان امريكا مثلما يشاغلان إيران .
حَذرْ الصين حكومةً و حزباً من أن لا تبتلْ بالماء الاسن في الشرق الاوسط ،اي ان لا تكتوي بسخونة ملفات المنطقة ؛ فالصين علاقات استراتيجية عسكرية و اقتصادية مع ايران ، و موقف دعم و صداقة مع سوريا ، و ستحرص الصين على ان تكون لها ذات العلاقات الاستراتيجية مع المملكة ، ولربما يكون هذا الحذر دافع للصين للعمل على تقارب سعودي ايراني ،وعلى تفهّم صيني بضرورة عودة ايران الى الاتفاق النووي ، ولمصلحة امن واستقرار المنطقة .
حذرْ سعودي من تسويق البعض ، و خاصة من الجانب الامريكي ، لهذه الزيارة وكأنها خلع عباءة امريكية و ارتداء عباءة صينية . المملكة عازمة بكل تأكيد ( هذا ما نستنتجه من المتابعة والتحليل ) ، على المضي في مسار سياسية دولية متعددة الاقطاب ، وبرداء وطني و قومي عربي . و ايران تحاول اغتنام فرصة هذا التحوّل في توجّه المملكة نحو سياسة دولية متعددة الاقطاب ، وعلاقات متميّزة روسية سعودية ، وصينية سعودية ، من اجل اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، و هذا ما يفسّرُ طلب ايران المتكرر لوسطاء كُثرٌ بضرورة السعي من اجل اعادة العلاقات الايرانية السعودية ، و اعتقد حضور موضوع العلاقات السعودية الايرانية في جدول اعمال الزيارة التي قام بها السيد رئيس وزراء العراق لطهران قبل يوميّن .
زيارة الرئيس الصيني للمملكة لن تسّرْ كثيراً قادة الكيان الاسرائيلي ؛ هولاء يرون في الزيارة ترسيخ لمسار توجّه المملكة في سياستها نحو الشرق و نحو محور آسيوي ، و يقلّل من الدور الامريكي ، ويلغي سياسة الاملاءات التي اعتادت عليها الادارة الامريكية مع كثير من الدول ولصالح الكيان الاسرائيلي . وسنرى ردود خشيّة و حذر الاعلام الاسرائيلي من نتائج الزيارة على المدى القصير و البعيد .
لن ابالغْ في القول و في الامال المرجوّة من نتائج هذه الزيارة في تعزيز مسار الامن والاستقرار في المنطقة ، زيارة الرئيس الصيني هي ليست كزيارة الرئيس السابق الامريكي ترامب ،ولا كزيارة الرئيس بايدن ،التي ساد على اجواءها طابع البرود ، وفاضَ من محتواها طابع النفعيّة الاحاديّة الامريكية .
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha