محمد شريف أبو ميسم ||
يوصي الاقتصادي الصهيوني "ميلتون فريدمان" بضرورة التحرك سريعا، لفرض تغيير دائم في المجتمعات الرعوية التي تخضع لصدمة التغيير نحو اقتصاد السوق الرأسمالي ، قبل عودة المجتمع الذي اجتاحته تداعيات الصدمة الى حالة الوعي.
وقد تجسد هذا الأمر في مجتمعنا الذي عانى كثيرا من تداعيات صدمة التحول بأشكال عديدة، تتجلى واحدة منها في قصة، انتهت بوجود خمسة طلاب في صف لسنة منتهية باحدى مدارس مدينة بسمايا، فيما غادر الآخرون بدعوى حصولهم على ما يسمى بالانتساب، اعتمادا على التعليم الخاص في المدينة .
القصة لا تتعلق بالحرب النفسية التي واجهها الطلاب المتمسكين بالتعليم الحكومي وحسب، فقد يقول قائل: ان ميلتون فريدمان لم يدفع أولياء أمور الطلبة الى تقديم طلبات ما يسمى بالانتساب لأبناءهم، انما القضية تتجلى في دوافع الطلبة نحو التعليم الخاص، مع ان التدريسيين في المدرسة الخاصة هم أنفسهم في المدارس الحكومية المفتوحة في المدينة، والمبنية بناء حضري بمواصفات لا ترتقي اليها مواصفات بناية "روضة" بوصفها مدرسة خاصة للصفوف المنتهية، والسؤال الأكثر الحاحا ، كيف حصل صاحب هذه المدرسة الخاصة على ترخيص داخل المدينة، فيما يطالب الساكنين باستثمار المنشأت والبنايات الرائعة في البناء والتصاميم دون أن تعيرهم الجهات ذات العلاقة آذان صاغية، ويأتي الجواب دائما (ان المنشآت والبنايات المغلقة تعود الى الوزارات، والقانون لا يجيز للوزارات استثمار منشآتها!)
والغرابة لا تنحصر في هذه القضية أيضا، بل تمتد الى التصميم الخاص بهذه المدينة، التي تضم ما بين القطاعات مساحات أراض يمكن أن تعرض كفرص استثمارية، توفر للمدينة خدمات طالما ذهب السكان الى مركز بغداد للحصول عليها، من قبيل الخدمات المصرفية، والحاجة الى مجمع للأطباء ومستشفى وقاعة للمناسبات، ومحطة وقود، ومركز أعمال تجاري، وجامعة، ولتكن هذه الخدمات للقطاع الخاص، ولما لا؟ فهي في النهاية، ستوفر فرص عمل هائلة، وتخفف من الزحامات باتجاه بغداد.
ولكن أن يترك هذا الأمر، ويتم استهداف التعليم الحكومي، بعد يأس الأهالي من حصول أبناءهم على خدمات تعليم جيدة، هنا نحتاج لمراجعة ما قاله فريدمان، اذ يقول، ان "الأزمات فقط، حقيقية أو متصورة، تنتج تغيرا حقيقيا" وهذا ما يحصل بالضبط، اذ يستسلم أهالي بسماية للتعليم الخاص بسبب أزمة التعليم، مثلما استسلم عموم الناس لأصحاب المولدات الخاصة بسبب أزمة الكهرباء وصار لدى الكثير منهم استعدادا لقبول خصخصة الكهرباء، وهكذا يتم تعطيل افتتاح المؤسسات الحكومية الى حين بيعها الى القطاع الخاص، وهذا ما يقصده فريدمن (عند وقوع كارثة تعتمد الإجراءات التي يتم اتخاذها بناء على الأفكار المتاحة).
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha