محمد المالكي ||
منذ بدء الخليقة، ما فتأ الحق و الباطل يتصارعان، في ساحة الوجود، لكن في نهاية المطاف، لابدّ للحق أن ينتصر، فكما وعدنا الله سبحانه و تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.(الإسراء-٨١) فأن نهاية هذا الصراع محسوم للحق، و ما بين البداية والنهاية، هنالك من يسقط في حبائل زيف الباطل، حتى و إن يمتلك شيئاً من البصيرة.
أن كنا نعرّف البصيرة، بأنها القدرة على تمييز معسكر الحق و الباطل، و معرفة الصديق من العدو، فقد يضيق و ينحسر هذا المفهوم أكثر، الى حد معرفة صديق العدو، و عدو الصديق.
كما أن للأيمان درجات و مراتب، فأن للبصيرة أيضاً درجات، ففي مرحلة ما قد يتمكن الأنسان المؤمن من أمتلاك بصيرة، يميّز بها العدو من الصديق، لكن مع تقدم المعركة، قد يحتاج ألى أكثر من ذلك.
كل من يطالع بتمعّن، في ساحة الصراع العالمي، بين تحالف الشيطان العالمي، و محور الأيمان المقاوم لهيمنة و سطوة ذلك التحالف، سيكتشف أن العدو قد غيّر من أستراتيجيته الهجومية شيئاً فشيئاً، من الحرب الصلبة، و بدأ يعتمد على الحرب الناعمة أكثر، مع التطوير المستمر لآليات تلك الحرب، فأنها ذات نتائج مذهلة بالنسبة له.
فالحروب الأقتصادية و الأعلامية و الثقافية، هي نماذج لمحاور الحرب الناعمة، و لعل أهمها هو الذراع الأعلامي لهذه الحرب، فما يفعله الأعلام المخادع للعدو، في بصيرة الناس، قد يحولهم من جنود للحق الى أشواك في طريق تقدمه.
تعالوا لنتخيّل أمتلاكنا القدرة، على السفر عبر الزمن، فلنترك الحاضر، و لنرجع ألى الماضي، عندما قُتِل الأيمان في محراب العاشقين، فعند أستشهاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه، و عند وصول هذا الخبر الى أهل الشام، قالوا: أوَ كان عليّ يصلي؟ هكذا عمل الأعلام على تعمية بصائر الناس، حتى باتوا يرون الحق باطلاً.
الآن فلننطلق الى المستقبل، ففي الرواية التي تذكر أن بعض ممن عمّهم النفاق حتى عمّيت بصائرهم يقولون للأمام المهدي صلوات الله عليه حين قدومه للكوفة: أرجع يبن فاطمة، فلا حاجة لنا بك(دلائل الأمامة ص ٢٤١)، نرى أنهم قد تحولوا ألى جنود للباطل، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فهم غرقوا ببطئ، في وحل التزييف، حتى انحرفت بوصلة الأدراك و المعرفة في عقولهم.
ما بين الماضي و المستقبل، و نحن نعيش الحاضر، و نعايش الجيل الجديد من الحروب الناعمة، عند معرفتنا بخطورة هذه الحروب، علينا تقوية البصيرة، فلنمتلك نظرة ماورائية، ترى ما بعد الخطوط العريضة، و لندقق في كل التفاصيل، فكما يقول المثل: الشيطان يكمن في التفاصيل، و أذا أشتبهت علينا الأمور، فلنتّبع سهام العدو، فأنها تدلّنا على الحق.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha