نصير مزهر الحميداوي ||
أن مهمة الانتظار لأمر ما، هو الاستعداد لتحقّقه بالشكل الذي ينسجم مع طبيعة ما يُنتَظر، إذ لا يمكن أن يقال أننا ننتظر حصول أمر، ولا نرقى لمستوى الاستحقاقات المترتبة على تحققه، مما يعني أن عملية الانتظار تنطوي على علاقة جدلية بين المنتظَر والمنتظِر، ولهذا قرن الله عملية الاستعداد لحمل الأمانة الربانية، في هذا المجال بمبدأ الاستبدال، فالمجتمع إن لم يقم بهذه المهمة فإن الله يستبدله بآخرين.
وردت لفظة “الاستبدال” في القرآن الكريم، في موضعين: الأول في سورة التوبة { إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا} والموضع الثاني: في سورة محمد صلوات ربي علية واله قال تعالى { أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} فما كان هناك استبدال لقوم، إلا ويوازيه تمكين لقوم آخرين، وكل بشروطه وقوانينه، حتى استحقوا الاستبدال بما فعلوه، من غرور وتعالي وتكبر وحب الأنا.
سوء العاقبة، جعلت الشغلماني ووبلعم بن باعورا، وبعض المنحرفين المعاصرين، الًذين كانوا من أعلام العلماء، وكان لهم من الأتباع، وكثرة المؤلفات، ولكن الغرور والحسد، والحقد، جعلتهم ينحرفون عن جادة الصواب، الغرور والعجب يهوي إلى الحضيض بعد الارتقاء، وتدحرج إلى السفح، بعد أن كان في القمة، عندما يضيق صدرك تتضجور وتهاجم، وتلتوي على أهل الهدى، تتعرض إلى التمحيص والاستبدال، وعلامة ذلك أن الله يبتليك ببلاءآت ليعيدك إلى سواء السبيل، وإلا فمصيرك الاستبدال قال تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) سورة محمد صلوات ربي وسلامة علية.
يوم الاستبدال، هو يوم ينتقل فيه جنود من راية السفياني، إلى راية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبالعكس جنود من راية الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، ينتقلون إلى راية السفياني، كما جاء في الرواية عن اهل بيت العصمة والطهارة (ثم يأتي الكوفة (أي المهدي عليه السلام) فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث، حتى يظهر عليها، ثم يسير حتى يأتي العذرا، هو ومن معه، وقد الحق به ناس كثير، والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا، وهم يوم الابدال يخرج أناس كانوا مع السفياني، من شيعة آل محمد عليهم السلام، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم، وهو يوم الأبدال ) بحار الأنوار ج ٥٢ ص 224
عندما تجعل الروايات أجر انتظار الفرج، والصبر، كأجر المجاهد بين يدي القائم، وبين يدي رسول الله صلوات ربي وسلامة علية، وتجعل العبادة في الغيبة أعظم من العبادة في الظهور، وتجعل انتظار الفرج أعظم الفرج، ويجعل رسول الله المؤمنين في الغيبة بمنزلة أخوانه، ويتأوه أمير المؤمنين شوقاً للقائهم ورؤيتهم، كل هذا وأكثر للمؤمنين المنتظرين في زمن الغيبة، إذ من هذا نفهم، أن فترة الغيبة، هي أكثر الفترات التي تتطلب قوة أيمان، وصبر، وعمل وجهد، وليس كما نتصورها من إنها فترة رخاء، والمؤمنين فيها في حل من المسؤوليات، والمهام والتكاليف.
حاذر من الغرور، لا تغتر بأعمالك فإنها مهما بلغت من الكبر فلا قيمة لها، إن لم تكن خالصة لوجه الله عز وجل، والأعمال الكبيرة سوف تصغر وتتلاشى أمام المكر الإلهي، فالله تعالى غيور على دينه، وعلى وليه الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن يغتر بعمله، كأنما يمن على الله تعالى، والله جل وعلا هو المنان، ومظهر الغرور لدى الإنسان المنتظر في أعمال الانتظار والتمهيد، هو التعالي عن أعمال كان يفعلها بكل همة، إما اليوم فيرى في نفسه انه اكبر من هذه الأعمال، فيتقاعس عنها لهذا السبب لا لسبب آخر، وبالنتيجة سيشمل ذلك المغرور المكر الإلهي، فيصدمه بحقيقته التي أراد سترها، بستار الغرور الزائف، ثم يجعله ذلك في حالة نفور، وعدم إقبال على أعمال التمهيد للقائم عج، وهكذا سوف يستبدل شيئاً فشيء.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha