الشيخ محمد الربيعي ||
الملفت للانتباه كلام الله تعالى عن ضرورة الالتفات إلى الهدف الأسمى من وجودنا على الأرض و في المجتمع ، ألا وهو ( عمل الخير والبرّ ) ونفع الحياة بما يلزم ، وتعزيز الشّعور الإنساني والجماعي العام بما ينسجم مع إرادة الله تعالى في إيجاد مجتمع إيماني وحضاري تغلب فيه قيم الحقّ والعدل والصّلاح، ولنا في سيرة الأنبياء والرّسل خير معين على الاقتداء والتّفاعل مع دعوة الله تعالى لنا إلى المسابقة في عمل الخيرات والتّنافس في ذلك، كتعبير حيّ وصادق عن جوهر إيماننا وروح عقيدتنا.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: [ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ] [الأنبياء: 90].
هؤلاء الأنبياء الّذين يحدّثنا الله عنهم لنقتدي بهم،كانوا يعيشون الخير في شعورهم ووجدانهم، وفي قلوبم وعقولهم، بشكلٍ عفويّ وطبيعيّ، إذ كانوا يبادرون إلى عمل الخير بكلّ نشاط وهمّة ووعي ومسؤوليّة، ولا ينتظرون شيئاً للقيام بهذه المبادرة، بل يعتبرون أنّ مسؤوليّتهم عن الناس والحياة تفرض ذلك، والأهمّ ، إرادة الله واحترامها، هذه الإرادة الّتي لا يمكن التّعبير عن التزامها إلا بعمل الصّالح والخيرات، حيث مرضاة الله وتأكيد الارتباط الحقيقيّ به.
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، لأنّ الخير لم يكن في حياتهم حالة طارئة، أو انفعالاً سريعاً، بل كان قيمة روحيّة تتحرّك في خطّ العقيدة وحركة الرسالة، على أساس المسؤوليّة المنفتحة على النّاس كلّهم.. وكان هذا الخير الّذي يتحرّك في عمق شخصيتهم، نتيجةً للإيمان بالله والانفتاح عليه، وهم يعتبرونه أساساً للمسؤوليّة في مواجهتهم لقضايا الحياة التي يريد الله لها أن تنطلق من قاعدة الخير وتتحرّك في طريقه، وتعيش في آفاقه، كما يريد لعباده أن يأخذوا به وينفتحوا عليه.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً}، لأنّ الدعاء هو الأساس في التعبير عن الحاجة، بقطع النظر عن طبيعتها، في ما يرجوه الناس أو يخافونه. {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} في رهافة الحسّ الإيماني في حياتهم، وفي عمق الشّعور الروحي في ذواتهم، وفي انسحاقهم أمام عظمة الله الّتي يتمثّلونها في أفكارهم وقلوبهم .
محل الشاهد :
اذن {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً}:
هذه هي هويّة الأنبياء، ليسوا سحرة أو منجّمين، ولا ملائكة أو سلاطين؛ إنهم أناس يطيعون الله في كلّ شيء رغبةً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، ومن أجل هذه، جعلهم الله خزنة علمه وحفظة دينه وخلفاءه في أرضه وحجّته على عباده، ولا يسوّغ لأحد أن يتكلّم باسم نبيّ أو وصيّ نبيّ، ولا أن يوصف بالحجّة والقدوة في دين الله، إلا أن يكون عالماً به، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه .
نتعلّم من هذه الآية المباركة، كيفيّة النّهوض لعمل الخير عن إرادة ووعي، وحبّ نابع من القلب، وقناعة مترسّخة في العقل والوجدان، بأنّ الخير هو من نبني به الحياة، ونصنع لأنفسنا به قدم صدق عند مليكٍ مقتدر، يوم يقوم الناس لربّ العالمين، ويسألهم عن أعمالهم هل انطلقت من فعل الخير المخلص لله وفي سبيل الله؟
من هنا، علينا أن نربي حبّ الخير والإقدام عليه بلا مقابل في نفوس أجيالنا، بحيث يترك هذا الحبّ تأثيره الإيجابي على الشخصيّة، فتتحرّك بما يتوافق مع إرادة الله وخطّه في إيجاد مجتمع إيمانيّ يعيش الإيمان في تفاصيل حياته، من خلال تعميم فعل الخيرات في كلّ ميادين المجتمع، إذ لا يمكن أن تسمو الرّوح وتنمو الحياة وتزكو النفوس إلا من خلال تحريك الخير في واقعنا، في مواجهة الأنانيّة والعصبيّات والأهواء والحسابات الخاصّة والضيّقة التي تسلب المعنى والقيمة من الإنسان، وتجعله رهين شهواته، بعيداً من نداء الله تعالى له بالإسراع إلى الخيرات.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق واهله
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha