كوثر العزاوي ||
ثمة مواقف وأفعال غالبًا ما تحدث في حياة كل إنسان، إما بسبب الغفلة أو بدافعِ غلبةِ العاطفة والشهوة في أحيان كثيرة، فتجده يتعثّر في مسيرته تارة، ويسقط تارة أخرى، وقد يصل إلى مرحلةٍ يشعر فيها بالخسارة عند أولِ منعطفٍ في طريق ما، ظنّا أن ذلك يؤدي إلى تكامله حسب منسوب توقّعه، فقد يقع وينكسر! غير أن أصحاب الغايات السامية، سرعان ماينهضوا مواصلين السير على الدرب، ليكتشفوا بأنهم خسروا جولة من جولات الحياة، ولابدّ من النهوض والإصرار، فإنّ من عاهد الله على المضيّ كما بدأ، محال أن تُوقِف عجلة رسالته صفعة هنا ولَكْمة هناك! فمادامت المعركة قائمة فإنّ الصراع قائم بين الاضداد، بين الحق والباطل والصح والخطأ والسلامة والسقم والصبر والجزع وبين الشهوة والاستقامة، وبين الذات ونبذها، فقد يخسر بعضنا موقفًا ولم يخسر مبدءًا، أو يخسر لحظةً من سعادة، ولم يخسر عمرًا، نعم!!خسرنا لحظات من الهناء والراحة لنربح عمرًا جديدا من التجارب والعِظات التي تجعلنا في الطريق الصح، خسرنا أشياء كثيرة في محيطنا، وربحنا أشياءً في داخلنا! فكلّ هذه المكاسب إنما هي بمثابة دعائمَ تساهمُ في تقويم توجّهاتنا وتعيد "فرمتة" منظومتنا ومانتبنى من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، سيما إذا حال ذلك دون القيام بالواجب الأهم مابقيَ من العمر بعد جولات من السقطات والكبوات! يقول الله تبارك وتعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} الطلاق ١.
فكلمة "لعل" إنما ذكرت في القرآن الكريم بهدف طمأنينة القلب وبثّ روح التفاؤل واليسر وخَلْق الأمل والطموح في نفوسٍ أشبعتها الحياة مرارة من فظاظة الطباع وغِلظة القلوب وقساوة الألسن، ليسعى الإنسان بعدها قاصدًا تكملة المشوار نحو حياة هادفة مثمرة نقيّة من شوائب المادة ومتعلّقاتها، وفقَ قانون يصطفّ رؤوفًا مع طاقات الإنسان التي أودعها الباري"عزوجل" في جوارح عباده والجوانح، ضمن ضابطة "التقوى" التي تنظّم حركة الإنسان لتجعل منه انسانًا حرّا عزيزا.
{..وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..}.