عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
"السمسم" من المحاصيل المهمة، ويحظى باهمية واهتمام كبيرين، لاسيما في العراق، لانه يتوافر على كميات عالية من البروتينات، والزيوت، ويُستخدم في قضايا علاجية كثيرة، ومنه يستخرج العراقيون "الراشي"، وتعد خلطة "الدبس والراشي" من الاكلات الشتوية الشائعة في انحاء العراق، كما يدخل الراشي ، في صناعة "الحمّص بطحينة" وهو من الاطباق المفضلة عندنا.
ولان العراقيين يحبون السمسم كثيرا، فقد ادخلوه في امثالهم الدارجة، فقالوا (لاتگول سمسم إلّا تلهم)، وهذا المثل كناية عن عدم ثقة الشخص بالاخر في ان يفي بوعده، واستخدام السمسم هنا لانه ناعم الملمس، وصغير الحجم، وقد ينزلق من بين اصابعك قبل ان يصل الى فمك، فيتعذر عليك التهامه!!، وغالبا ما يُستخدم هذا المثل عندما تعلن الحكومة (اي حكومة) عن برنامج خدمي، او خطة او سياسات معينة تقول انها ومن خلال هذا البرنامج ستقوم بتوفير كذا وكذا من الخدمات، ونتيجة التجارب القاسية التي عاشها العراقيون على مدى العقود الماضية، فقد تضاءل مستوى الثقة بين الطرفين، ولم يعد الكثير منهم يثق بما يسمع الا بعد ان " يلهم السمسم"، اي انه يلمس الوعود، منجزا على الارض، ويبدو واضحا ان المواطنين، في بعض المناطق، وعلى الرغم من قصر عمر الحكومة الحالية، بدءوا فعلا بـ"التهام سمسم الحكومة" التي نجحت في زراعته وحصاده في مدة قياسية، اذ شهدت العديد من مناطق بغداد التي كانت منسية، حملات خدمية كبيرة غير مسبوقة، تمثلت بفتح الطرق ومد انابيب الماء والصرف الصحي وتحسين الكهرباء، فشعر الناس هناك بحالة من الرضا، وهم "يلتهمون السمسم المحمّص"، ولم يقتصر الامر على ذلك، فالناس يقولون ان الكثير من الادوية، لاسيما ادوية الامراض المزمنة كانت مفقودة في المستشفيات وتُباع باسعار خيالية، اما الان فهي متوفرة وليس ثمة صعوبة في الحصول عليها، يأتي ذلك بعد زيارة رئيس الوزراء الى وزارة الصحة، وقبلها زيارته المفاجئة الى مستشفى الكاظمية.
ان ما تحقق لحد الان، مع مرور مدة قصيرة، يبعث رسالة ايجابية بشأن امكانية تنفيذ وتطبيق ما تضمنه البرنامج الحكومي من اجراءات ومعالجات تشمل القطاعات الصحية والتعليمية والخدمية والاقتصادية والسكنية والمالية ومعالجة الفساد والبطالة والفقر، فقد تحدث البرنامج عن انجاز مستشفيات عملاقة، وبناء عدد كبير من المدارس يصل الى ٥ الاف مدرسة، وتوزيع ٥٠٠ الف قطعة ارض سكنية مع منح المستفيدين قروضا ميسرة، وبناء مدن سكنية متكاملة، وتحسين مستوى الكهرباء، اذ سيشهد المواطن هذا التحسن في الصيف المقبل، وفك الاختناقات المرورية من خلال توسيع الطرق وانشاء المجسرات والانفاق، ومعالجة مشاكل المشاريع المتلكئة، ودعم القطاع الخاص وتوليد فرص عمل، وتحسين شبكة الحماية الاجتماعية والبطاقة التموينية، ومعالجة مشكلة العمالة الاجنبية، وتوفير الضمان الصحي، وانشاء المشاريع الاستراتيجية، وتطوير القطاع المصرفي، وتشجيع الاستثمار، وملاحقة الفاسدين صغارا وكبارا، وغير ذلك..
ورُبَّ قائلٌ يقول، وهل بامكان الحكومة ان تنجح في تنفيذ كل هذه الوعود، والبرامج والمشاريع، في وقت يجري الحديث عن ان عمرها ربما لن يتجاوز عتبة العامين، مع وجود تحديات ومشاكل جمّة؟
اقول، نعم، ان الطريق ليس مفروشا بالورود، بل على العكس فهو مليء بالمطبات والاخاديد الحادة، ولكن اذا ما توفرت الارادة مع الادارة، سيكون كل شيء بالامكان، وخصوصا مع وجود وفرة مالية جيدة، ويبدو واضحا ان السيد السوداني واعضاء حكومته، يحملون من الارادة الشيء الكثير، مايجعلهم قادرين على السير وسط هذا الطريق المتعب.
وكل ذلك سيتضح من خلال عملية التقييم الجدّي للمديرين العامين بعد ثلاثة اشهر ، وللوزراء والوكلاء والمحافظين بعد ستة اشهر، وقطعا ان مثل هذه الاجراءات ستوفر ارضا خصبة لزراعة السمسم، وبعد ذلك سـ"يتونس" العراقيون في التهام السمسم واكل الراشي والدبس، والحمّص بطحينة..
انها ليس سوى قراءة للمشهد ..
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha