الشيخ محمد الربيعي ||
هنا يطرح سؤال يعرض دوما امامنا سؤال بهيئة استفهام في داخل اروقة فكرنا ، او من قبل بعض المؤمنين حفظهم الله هل العفة مانعة عن حركة المرأة ؟
الجواب :
قد يرى البعض أن المرأة مجرد أن ترتبط بزوجها وتعيش حياة الأسرة ومسؤوليّة البيت، فإنه من الصعوبة أن يكون لها حضور في الساحة الإسلامية، أو أنّ ذلك يمثّل نقصًا لها، وأنها أصبحت على هامش الحركة الإسلاميّة، ولكنّ علينا تقديم الزهراء (الأنموذج) لكلّ النساء اللاتي قد يجدن صعوبة في هذا المجال، فنقول: إنّ على الفتاة التي يعيش أبوها رسالة في الحياة، أن تعيش معه لتعطيه من روحها روحًا، ومن حنانها حنانًا… كما كانت فاطمة تعيش مع أبيها بعد أن فقد زوجته، أمّها (خديجة الكبرى)، حتى إنّ النبي قال عنها إنّها (أمّ أبيها)، ويمكن الاقتداء بها في إخلاصها لبيت الزوجيّة، واعتبار حركة المرأة في بيت الرسالة لا تمثّل نقصًا في شخصيّتها أو في واقعها.
وهذا ما نجده عند بعض النساء اللّواتي يعتبرن الاهتمام بالأب أو الزّوج حاجزًا أمام انطلاقتهنّ الرساليّة في المجتمع، فالزهراء كانت تقوم بأعباء البيت وشؤونه، من صنع الغذاء والرّعاية، و لذلك كانت زوجة كأفضل ما تكون الزّوجات، وكانت أمًّا كأتمّ ما تكون الأمّهات، فلقد كانت تعيش البيت الرّسالة، ولم تكن لتعيش البيت مجرّد روتين تقليديّ، كما تعيشه بعض الزّوجات أو الأمَّهات في البيت….
محل الشاهد :
ايها الاحبة : عندما نريد أن يقدّم الزهراء فيما يرتبط بما حدث لها ولبعلها الإمام علي(ع) بعد وفاة أبيها رسول الله (ص)، فإنّنا نقدمها كنموذج حي يختزن الكثير من نقاط القوّة، وإن كانت تعيش المأساة والظّلم، فكانت قضيّتها ، أنها وقفت لتتحدّث ولتخطب ولتحتجّ ولتثير الكثير من علامات الاستفهام ، ولذلك نقول إنها كانت تمثّل المرأة التي تتحمّل مسؤوليّتها في كلّ قضايا الحقّ، لا في كلام خفيّ تتحدّث به، ولكن بصوت قويّ صارخ، ينطلق بكلّ قوّة وبكلّ صفاء وبكلّ إخلاص.
لذلك، علينا أن نعرف أنّ عظمة الزهراء، أنها عاشت منذ انتقال رسول الله (ص) إلى الرفيق الأعلى، وحتى وفاتها، همّ الحقّ الذي تؤمن به، كانت تتحرّك في نشاط دائم من أجل أن تركّز الحقّ كما يريد الله سبحانه وتعالى، ومن خلال هذا، نعرف أنّ مسؤوليّة المرأة أن تواجه واقعها وأن لا تكون معزولةً عن الواقع، وأن لا تبتعد عن القضايا الحيويّة إذا كانت تملك طاقة وقوّة في الحركة وظروفاً مناسبة….
· محل الشاهد :
نرى أن العفّة المرتبطة بالجانب الأخلاقي بنظر الإسلام ، هي للمرأة و الرّجل معًا ، فكلاهما مسؤولان عنها ، فليس هناك فرق في الجانب الأخلاقي لدى المرأة و الرجل ، لذلك نقول إنّ الإسلام الذي قدّم أمّ المؤمنين خديجة الكبرى (رض) لتدعم النبيّ الخاتم محمد (ص) في رسالته بكلّ ما عندها من قوّة ، وقدّم سيدة نساء العالمين الزهراء ( ع ) لتكون مع رسول الله الخاتم محمد (ص) و مع زوجها الامام علي ( ع ) و ابنيها ( الحسن و الحسين ( ع ) ) في خطّ الإسلام، وقدّم لنا السيدة زينب (ع) بطلة كربلاء ، ليقول لنا إنّ علينا أن نواجه التحدّيات الكبرى التي تأتينا من الرجال و من النساء في خطّ الكفر و الاستكبار ، لنقدّم الرجال و النساء في خط الإسلام .
من خلال ذلك الواقع يجب ان نقرأ الزهراء (ع)، ذلك الواقع الذي كانت تتحرك فيه، ووفق ما تحتاجه الأمَّة في واقعها .
فالزهراء(ع) كانت تتحرّك وهي تحمل همّ حقّها في فدك الّذي غُصِب، وحقّ زوجها عليّ من تقمّص غيره لحقِّه في الخلافة، فكانت تسعى جاهدةً، تحتجّ بكلمات الله وبكلّ سلميّة، وتحضّر لاسترداد هذا الحقّ، حتى تعيد إلى الإسلام موقعيّته الحقيقيّة، كما أرادها رسول الله (ص)، فكلّ القضايا أمام ذلك تعتبر هامشيّة، وخصوصًا عندما تكون قابلةً للبحث التاريخيّ، وقد اختلف حول ذلك العلماء والمحقّقون، اتجاه تلك النظرة الواقعيّة، و لا نسع لإثارة ما قد يجعل من حركته ضيّقة، أو أن يطغى المهمّ على حساب الأهمّ، فمن الحكمة أن نجعل في حاضرنا الزّهراء أنموذجًا وقدوةً ونقطة لقاءٍ، تجمع لقوّة الإسلام ومواجهة التحدّيات من هنا وهناك.
النتيجة اذن العفة لاتنافي ابدا حركة المرأة باتجاه البناء و التقدم في كافة الاصعدة بدلالة الاية ( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ) .
· محل الشاهد :
اننا نجد الزهراء كان لها دور كبير جدا في كل ميادين الحياة حتى في حزنها ...
إنّ حزن الزهراء (عليها السلام) كان حزن الرسالة، وإن وقفت من خلال القضيّة ومن خلال الإسلام… الزهراء ليست دمعة، إنها موقف… الزهراء ليست حزنًا، إنها الرسالة… حتى ونحن نحزن عليها نفرح بها… حتى ونحن نبكي عليها نبتسم لها….
محل الشاهد :
الزهراء في جانبها الرسالي كمسؤولة عن الواقع الثقافي في المجتمع، هكذا نجد في حياة الزهراء الحركية، أنها كانت بالرغم من كلّ أثقالها البيتيّة، تتحسّس مسؤوليّاتها الثقافية في التحدّث إلى النساء المسلمين بكلّ ما يهمّ الإسلام أن يبلغ المرأة من تعاليم ومن وصايا… وهكذا، كانت لها جلسات متعددة، يروي أنها كانت لديها أوراق مما تلقيه على النساء، فافتقدتها وقالت لخادمتها: “ابحثي لي عنها، فإنها تعدل عندي حسنًا وحسينًا”.
وإذا صحّت هذه الرواية، فإنها تدلّ على مدى الأهمية التي تعطيها الزهراء للمسألة العلميّة.
وفي الجانب الحركي كذلك، يقدّم السيّد الزهراء على أنّها مسؤولة عنه أيضاً، فهي أوّل امرأة تواجه القضايا التي اختلف فيها الناس بالمنطق، وبالموقف الصّلب، وبالحوار، وبالدّعوة إلى الحوار، لذلك، فعندما ندرس شخصية الزهراء، فإننا نجد أنها تمثّل في كثير مما عاشته ومما انطلقت فيه، ومما دخلت فيه، ساحات المواقف الشرعيّة والكثير من أساليب العمل النسائيّ في عصرنا هذا….
لذلك، يجب ان نجعل المرأة المعاصرة، تلك المرأة التي تحمل همّ المسؤولية كما كانت تحملها الزهراء في عصرها، و نعطيها دورًا مجتمعيًّا تتحرك من خلاله لتعطي الإسلام قوّةً من قوّتها، فهي ليست كيانًا ضعيفًا بالمطلق، فهي تتكامل مع الرّجل، كما الرجل يتكامل معها، فهي ليست: كميّة مهملة على هامش الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي، والله يقول: {والمؤمنونَ والمؤمنات بعضُهُم أولياءُ بعضٍ}، أولياء في التعاون، وأولياء في النصرة، وأولياء في التّكامل {يأمرونَ بالمعروفِ وينهونَ عن المنكر} .
لذلك، يجب ان نعتبر أنّ الزهراء المثل الأعلى والنّموذج الذي ينبغي أن نحتذيَ به رجالاً ونساءً، نريد للمرأة… أن تعرف من خلال فاطمة أوّلاً، ومن خلال زينب ثانيًا، أنّ لها دورًا في الصّراع السياسيّ على أساس خطّ الإسلام….
والحمد لله
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و اهله
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha