إيفان العودة ||
من الصعب أن نجد تعريفا جامعا مانعا لمعنى الوطن، لأنه مفهوم يتداخل فيه البعد الإنساني والقانوني والمصلحي.. ففيه يشعر الإنسان بدفء الانتماء، ولا يرى ذاته إلا من خلال الانتماء لوطن، يشعر فيه بالكرامة والمساواة والاعتزاز بالذات.. وطن يعتز به مواطنوه، وبه يفاخرون ولصالحه يقدمون أغلى الأثمان، والتضحيات الجسام.
هذا في ظل وطن يساوي بين جميع مواطنيه في الحقوق والواجبات، ويحتضن آمال وتطلعات ساكنته.
لكن عند ما يتحول الوطن إلى غابة، يضطهد فيها القوي الضعيف وتستحوذ القلة فيه على مقدرات البلد، تهمل المصالح العليا للوطن وومواطنيه وتلغى بشبابه في دروب الإهمال والتردي، فعندها فقط تصبح الوطنية والوطن، كلمات جوفاء لا يلتفت إليها الشاب المنبوذ العاطل عن العمل ولا حامل الشهادات العليا، الذي لا يرى فرصة، لأن نتائجها محسومة سلفا، قبل الإعلان عنها.
كما أنها مفاهيم، تصبح ملتبسة بالنسبة للمريض الذي تبيعه الصيدلية جهارا دواء مغشوشا، والفقير الذي يطحنه جشع التاجر الذي لا يرضى من الربح، سوى مضاعفة الأرباح، حتى ولو كانت بضاعته مغشوشة أو منتهية الصلاحية.. ولا خريج الدراسات العليا الذي يحاصره اليأس من الترقي أو تحسين الظروف، لأنه تأكد بالدليل أن المناصب، هي حكر على أوساط وأسر معينة، لا تشترط فيها الكفاءة ولا القوة ولا الأمانة.
واقع دفع بشباب الدول التي لا يحكمها قانون ولا تضبطها معايير ملزمة إلى الهجرة، التي يكون الشباب فيها بين خيارين:
- خيار الوصول بأي ثمن إلى ديار الغرب، بحثا عن فرصة ولو بالوقوع بين مخالب عصابات الإجرام، أو الموت المحتوم.
- أو البقاء في وطن يضطهدهم ويرمي بهم في وحل البطالة، حيث الشعور بالدونية والضياع، الشيء الذي يذكي مرارته، بقاءهم عالة على أسرهم، التي علمتهم وربتهم، وصرفت عليهم الكثير من أجل أن يصبح لهم دور يلعبونه في وطنهم.
واقع يدفع بالشباب المتعلم وغير الحامل لأي شهادة- على حد سواء- إلى الخيار الأول، الذي يقذف بهم خارج الوطن ولو لحظة واحدة، لأن وطنهم تحكمت فيه نخب، هي عبارة عن مافيا، لا يحكمها ضمير ولا تردعها عقوبات زاجرة.
نخب تبيع مصالح الوطن بأبخس الأثمان ، وتدمر بنيان الدولة ، تحت شعار التحديث والتطوير والإصلاح ومحاربة الفساد.. وفي ظلها ينهار الاقتصاد ويتردى التعليم وتختفي الصحة ويهتز الأمن وتضيع المسؤولية، وتختفي نهائيا مفاهيم الوطن والوطنية..
وعندها يتحول الوطن إلى سجن لمواطنيه، طاردا للكفاءات والخبرات.. فيه تخيب الآمال وتضيع الحقوق ويسود قانون الغاب..
لذا لا بد من الضرب بيد من حديد(من طرف الجميع) على الفساد الذي دمر التنمية وغيب المعايير، وحول بلادنا إلى وطن طارد لبنيه، تتقاذفهم مافيات المخدرات، فيتحولون الى هياكل بشرية تخلو من معنى البشرية..ومن نجا منهم من مخالب عصابات المخدرات، يجد أمامه عصابات الجريمة المنظمة تتلقفه ليكون عنصرا فاعلا فيها.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha