الشيخ محمد الربيعي ||
مع استقبال سنة ميلادية جديدة ليست لدينا مشكلة في الالتزام بالتاريخ الميلادي ، لأنّنا لا نفرّق بين أحد من رسل الله، فنحن نؤمن بعيسى(ع) على أنّه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وأنّه عبد الله الذي آتاه الكتاب وجعله نبيّاً وجعله مباركاً أينما كان وأوصاه بالصّلاة والزكاة.
وعندما نتذكّر هذا التاريخ بوعي، فإنّنا نتذكّر ولادة عيسى من خلال (سورة مريم)، فنعيش مع روحانيّته وإخلاصه لربّه، ومع أخلاقيّته، فلا مشكلة عندنا في أن نلتزم التاريخ الميلاديّ أو نتبنّاه.
▪️علينا كمسلمين أن نؤكِّد التاريخ الهجريّ، لسبب بسيط، وهو أنّ قصّة التاريخ في كلّ أمّة هي قصّة مسيرة الأُمّة ـــ كلّ الأمة ـــ في هذا التاريخ، من حيث هزائمها وانتصاراتها وكلّ أوضاعها المتحركة، فكلّ سنة من سني هذا التاريخ، تحمل في داخلها حركة الأمّة في كلّ مواقعها في هذه السنة، فعندما نؤكّد التاريخ الهجريّ في كلّ يوم، فنسجّله في مذكّراتنا، ونؤرّخ به رسائلنا، ونثبّته في كلّ ما يحتاج إلى التّاريخ، فإنّ ذلك يجعلنا نعيش التاريخ الإسلامي منذ هجرة النبيّ(ص)، وكيف انطلقت الهجرة، وكيف عاشها المصطفى(ص)، وكيف كانت مرحلة الدّعوة قبل الهجرة وبعدها، ثم كيف تحرّك المسلمون إلى العالم، وكيف كانت الفتوحات والانتصارات والتّعقيدات الداخليّة، السياسيّة منها أو الثّقافية أو الأمنيّة، وكيف واجه المسلمون التحدّيات، فإنّك وأنتَ تعيش التّاريخ الهجريّ، إنّما تعيش تاريخك وأصالتك، وأنّك جزء من هذا التاريخ، وأنّك يمكن أن تشارك في صنعه كما شارك الآخرون في صناعته أيضاً. فللتّاريخ الهجريّ في بعده الإسلاميّ معنى يتّصل بتركيز الأصالة في كياننا ووجودنا، ويتَّصل كذلك بحركة الأمَّة في هذا التاريخ، وبمسؤوليّتنا قبال هذا التّاريخ، بحسب ما نملك من جهد وطاقة.
محل الشاهد :
ايها الاحبة : أنّ علينا أن لا نستقبل رأس السنة بالطريقة التي يستقبل بها العالم الوثني رأس السنة، فهي عمليّة تغييب للعقل، بما يمارسه البعض من السِّكر واللّهو والفجور والعبث، فلنتأمّل المسألة جيّداً، فأن تموت سنة من عمرك، يعني أنّ قطعةً من عمرك دخلت في حسابك أمام الله، فلا تدري ما صنعت فيها من خير أو شرّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}، فعندما تغيب سنة، فعليك أن تعرف أنّ ملفّ هذه السنة قد أغلق، ودخلت في كتابك، وستدعى إلى أن تقرأ كتابك، وقد يكون خيراً وقد يكون شرّاً، فلا بدَّ من أن تفكّر فيما قدّمت لغدك من خلال سنتك هذه.
وبعد أن تغلق حسابات السّنة المنصرفة، لتفتح حساب السّنة القادمة، فكّر فيما أنت صانع فيه، فإنْ كنتَ قد عملت خيراً، فاطلب من الله أن يوفِّقك لخير جديد، وإنْ كنت عملت شرّاً، فكّر أن تستغفر ربّك وتتوب إليه، وأن تغيّر مسيرتك من الشرّ إلى الخير. فبداية الزّمن إذاً، تفرض عليك التأمّل في حساب الأرباح والخسائر. أما نظرت إلى المصارف والشّركات في العالَم كيف تجمِّد كلّ أعمالها قبل بداية السّنة وبعد بدايتها بأيّام، لأنّها تقوم بعمليّة جرد وإحصاء للأرباح والخسائر، وقد تخسر ماديّاً وقد تربح؟ والخاسر الأكبر هو من يخسر نفسه {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
فعندما تموت قطعة من عمرك، فعليك أن تعرف أنّها هربت منك ولن تعود، فليكن حزنك إيجابيّاً عليها، وعندما تبدأ سنة، اِفرح، لأنَّ الله أبقاك إلى هذه السّنة، واشكر ربّك على ذلك، وقل كما قال الإمام زين العابدين(ع) وهو يستقبل بداية يومه، ولا فرق بين بداية اليوم وبداية الأسبوع والشّهر والسّنة: "اللّهمّ وهذا يوم حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد، إن أحسنّا ودّعنا بحمد، وإنْ أسأنا فارقنا بذمّ. اللّهمّ ارزقنا حسن مصاحبته، واعصمنا من سوء مفارقته، بارتكاب جريرة، أو اقتراف صغيرة أو كبيرة، وأجزل لنا فيه من الحسنات، وأخلنا فيه من السيّئات، واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وأجراً وذخراً وفضلاً وإحساناً".
فلنفرح ـــ أيّها الأحبّة ـــ فرح المسؤوليّة، وليكن فرحنا فرح الرّوح الّتي تريد أن تصفو وتنقى وتحلّق في آفاق الله، وليكن فرحنا فرح الإنسان الّذي يريد أن يجعل من سنته سنة خير وحريّة واستقلال وعدالة.. وليكن فرحنا مع المستضعفين فرح الحقّ كلّه، والعدل كلّه، والمسؤوليّة كلّها {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق وشعبه
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha