منهل عبد الأمير المرشدي ||
إصبع على الجرح ..
يحكى ان هناك سلطان كان يعشق زوجته ويهيم بها غراما لكنه يعاني من عدم إنجابها طفل ليكون له وليا للعهد رغم مرور اكثر من عشرين سنة على الزواج . في أحد الأيام شاءت الأقدار ان تشعر الزوجة بأعراض الحمل مما جعل السلطان يعلن اقامة الأفراح في السلطنة والأحتفالات الصاخبة التي استمرت لعدة اشهر حتى موعد ولادة زوجة السلطان . كانت المفاجئة ان المولود كان بإذن واحدة اي انه يفتقد صيوان الأذن اليسرى .
حزن السلطان كثيرا وأزعجه هذا الأمر فكيف سيكون ولي العهد الذي سيكون سلطانا بعده بإذن واحدة . عقد جلسة طارئة لمحلس الأمن الوطني ليناقش الموضوع ويبحث عن حل لهذه المشكلة فأقترح احد الوزراء المخلصين جدا للسطان الى حد النخاع حلا عاجلا ويتلخص في اصدار أمر بقطع إذن واحدة لكل مولود جديد من الآن وحتى اشعار آخر لكي يكون الأمر بديهيا في السلطنة ولا يلاقي ولي العهد احراجا عندما يكبر وحين يتوّج سلطانا .
حصلت الموافقة على المقترح النضالي للوزير المناضل وتنّفذ الأمر وقاموا بقطع اذن واحدة لكل مولود جديد. بعد سنين من ذلك امتلأت شوارع السلطنة من الشباب ذات الأذن الواحدة حتى ان الناس صاروا يستغربون ويتعجبون عندما يشاهدون رجلا بأذنين وتتعالى الصيحات عليه ( سبحان الله ما هذا رجل لديه اذنين ) !
هكذا استسلم العقل الجمعي لمألوفية الشاذ وغرابة المألوف . حكااية ذكرتها استشهادا لما يحصل فينا عندما يقترب معدل الفقر في عراق النفط والرافدين من الخمسين في المئة وتتدنى نسبة الأمية في العراق من ذات الرقم وتنعدم الخدمات فلا كهرباء مستقرة ولا ماء صاف للشرب ولا مؤسسات صحية معتبرة ولا تعليم ولا مدارس ولا صناعة في العراق ولا زراعة وكل شيء مستورد من الإبرة الى رأس الفجل والكراث !! .
عندما يحصل كل هذا في وطن يزخر بالثروات الطبيعية والبشرية بل حتى غيث السماء من المطر صار حلما وإن تحقق وبدلا من ان يكون نعمة علينا يغدو نقمة وبلاء . عندما يحصل كل ذلك في عراق المقدسات والأولياء فإن ذلك يشير الى خلل فينا وبيننا ويحتاج من كل فرد ان يرى نفسه ويجلس معها في جلسة صراحة واعتراف ومسائلة . لابد ان نكون شجعانا في مواجهة الذات فلن يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم .
مفردات وجدت نفسي ملزما في كتابتها رغم اني اعرف انها قد لا تشمل البعض أو لا تتوافق مع مزاج البعض الآخر لكنها كلمات صريحة لابد منها في جلسة المصارحة . علينا ان لا نستغرب مما حصل فينا او سيحصل فقد أمتنا الصلوات وغدت صلواتنا إن وجدت عند الكثير منّا عادة وليس عبادة اما ابناؤنا فنحن إزاء جيل لا يصلي فيه لله إلا ثلة من الأولين وقليل من الآخرين . صار حاكم الأمة ضعيفا مترددا خائفا من سطوة الفاسدين وقوة اصحاب القرار في دول الجوار وما بعد الجوار ولأمريكا رأس القرار. أمسى للفساد سلاطينه وزعمائه ودولة وحصانة وحماة وخدم وعبيد .
امسى الظالمون يتفاخرون بظلمهم للضعفاء والفقراء والمغلوبون على أمرهم .فيما يتباهى الفاسدون بفسادهم والمليارات من اموال السحت الحرام التي بنوا بها قصورا وأرصدة وصار لهم قول وقرار . لقد تفشّى الربا بين الناس حتى صار بديهة والبسوه اسماء مختلفة تحت ما يسمى بالحيّل الشرعية والشطارة الفهلوية . قطعت الأرحام التي اوصى الله ورسوله بوصلها وملئت القلوب بالضغائن والأحقاد . أمسى الفاسد فينا مبجلا محترما موّقّر والمؤمن فيها مهان ضعيفا محتقر .
أما التطور والثقافة والإرتقاء الى مستوى مدنية المتمدنين فذلك يعني شرب الخمر واشاعة الشذوذ والمثلية والردّة وثقافة المتثقفين ان تكون ملحدا تبحث عن اصل الإنسان في ثنايا القرد . ليس هذا فحسب بل يسعى طغاة العصر وشواذ المجتمع واصحاب القلوب المريضة والعقول القافزة الى اشاعة المحظور وحظر المألوف ، فما احترام الصغير للكبير الا حكاية قديمة لم نعد نحتاجها وما متابعة الأب للأبن وتربتيه ونصحه الا حالة من حالات الجور والتخلف وحتى مكانة الرجل في البيت او احترام الوالدين فهي من سمات العنف الأسري .
حجاب المرأة شيء من الأزياء وفق المزاج اما العباءة الزينبية فقد امست تراثا وبعض المتمدنين يراها تخلفا ليس الا . الكذب والنفاق والتملق وانعدام الأخلاق بعض من البعض الذي صار مألوفا لدينا . عذرا ربما هي صراحة قاسية وكلمات مستفزة لكنها الحقيقة ولا شيء غير الحقية في جلسة المصارحة .
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha