د. محمد ابو النواعير ||
اسباب عديدة، منها داخلية، ومنها خارجية، ولكن هناك تراتيبية في نشأة النهضة، وحصول التطور لدى الشعوب والأمم، هذه التراتبية تنص على اصلاح المنظومة الفكرية الاجتماعية القيمية للمجتمع اولا، ومن ثم اصلاح مؤسساته الداخلية، وبعدها محاولة اصلاح العلاقة مع الخارج الذي يحاول الهيمنة والاستغلال.
(في إجابتهما على سؤال لماذا تفشل الأمم ؟ يجد دارغون اسيموغلو وجيمس أ. روبنسن أن فشل الأمم أو تقدمها يقوم على المؤسسية التي تعمل وفقها الدولة؛ إذا كانت المؤسسات الاقتصادية والسياسية القائمة «احتكارية» تعود بالفائدة على فئة قليلة في المجتمع أو «شاملة» تنهض بمستوى المعيشة والخدمات والفرص الاقتصادية والاجتماعية.).
نعم، هي كارثة كبرى عندنا، فكل الجهات والاطراف الفاعلة في الدولة والمجتمع، تحاول ان تُطبق على كل المؤسسات المصيرية المركزية، والهامشية، باحتكارية فضيعة، وتحاول قدر المستطاع خلق بيئة مستدامة لهذا الاحتكار والسيطرة.!
وعودا على بدأ، فان الخطوة الاولى في التراتبية المذكورة اعلاه، اصلاح المنظومة الفكرية والاجتماعية للمجتمع، تعاني من ضربات متلاحقة بسبب صدمة التحول العولمي الثقافي، مع معانات الحالة المؤسسية في العراق، والتي باتت تمثل حالة انكماشية، تغتزل التطور بالنفعية الخاصة للنخب المسيطرة.
الحالة الايجابية الوحيدة، والتي نوعا ما تمكنت من كسر بعض هذه القيود، هي أنموذج الادارة والنهضة التي تمارسه ادارة العتبتين في كربلاء، بتوجيه من المرجعية الشريفة، فعلى الرغم من وجود الكثير من السلبيات والتكسرات في هذه التجربة، الا انها اثبتت اليوم انها الافضل، بعد ان وفرت عنصر المؤسسية (الشاملة)، الذي يبحث عن النهوض بالمستوى الاقتصادي والعمراني والخدمات والفرص الاقتصادية والاجتماعية.
على الرغم من انني أؤشر على الكثير من السلبيات التي بدأت تزحف ببطأ الى باطن هذه النهضة، ومنها زحف الشعبوية القبلية الى بعض المفاصل الصغيرة فيها، هذه الشعبوية القبلية التي تملك قابليات ومهارات في التمدد والتلون ومن ثم الاستحواذ الهادئ، اضافة لتحول هذه النهضة، الى بعد شعبوي اجتماعي، تحول من السير نحو التقدم، الى مرحلة الدفاع والتقوقع، واثبات الوجود وارضاء الآخرين بشتى الوسائل. !!
القضية اليوم علاجها بيد طرفين، الاول، هي النخب المسيطرة على الفضاءات(السياسي العلمي الاقتصادي والاجتماعي الديني)، ففرصة النهضة للشعوب، وتوفر اشتراطاتها، ليست هينة في حركة التأريخ، بل تأتي على شكل فرص وطفرات، وعدم استثمارها بالشكل المنهجي الصحيح، سيقود الى انهيار كل شيء ومن ضمنها فواعل القوة لهذه النخب.
لذا، ندعو اليوم الى فصل مؤسسات الدولة نهائيا عن اي حالة احتكارية مجتزئة لمجتمع معين، او تحويلها على الاقل الى من حالة "الاحتكارية"، الى حالة " الشاملة".
الطرف الثاني، هو وعي الأمة اليوم، بان وجود مؤسسات دولية راعية للحالة الديمقراطية، هي فرصة كبيرة لهم لكي ينزلوا بثقل كبير في الانتخابات، من اجل سحب كل ادوات وفواعل السيطرة السلطوية من يد القائمين عليها اليوم.
التواني عن استثمار هذه الفرص، سيسمح للزمن بان يوقعنا مستقبلا بغياهب جب عميق آخر، من الاستبداد والظلم والقهر.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha