كوثر العزاوي ||
حينما تجتاح الروح موجة حزنٍ مشوبة بالأشواق، يحدو بها القدر متفضّلًا لتقف على ساحل الأمل حانية متأمّلة، فيأتيها موجٌ البحر متناغمًا مع أمواجها، ومن هناك تنطلق تناهيدَ جذلى وزفرات حرّى، وشيء فشيء يتحوّل الهمس إلى دويّ في أعماق الروح، وكأن كلّ جارحة ترغب في البكاء نادبة حدّ الصراخ فترتفع عقيرة المهموم خارج الإرادة بنداء "ياصاحب الزمان" كأنها دعوة من عمق القلب إلى عمق البحر الذي تقطنه أسرار الغيب، فتندفع مع الأمواج هائجة من غور اليَمِّ إلى عنان السماء لتخترق السحب فتمكث هناك لتحطّ رِحالَ بوحُها عند أطراف عباءة الأمل المنتظَر، إذ تنبري لواعج القلب شاكية، تجدّدُ عهدًا انعقد في طيّ رسالة الحبّ ممّن وقف على ساحله متأمّلًا، فيرجِعُ الصدى إلى الأسماع صوتًا ملكوتيًا محمّلًا بأجمل معاني الحنو والرأفة قائلا : أدِرْ كلّكَ وولّي وجهكَ صوب حرم مشهد الرضا لتلقى هناك الرأفة والرضا والأنس والسرور، فقد استجابت الجوانح قبل الجوارح وأدبرت نحو بحر العطاء والجود والكرم والأنس، وهناك حيث الروح قائمة على ساحل مشهده المقدّس، والذات جاثية عند بابهِ، متعلِّقة بحلَقِ ضريحهِ المعطَّر، عندها أدرَك العقل الفارق بين البَحرَين، بحر الجمال الماديّ الذي يُمتّع النظر لتعيش الإنتشاء المؤقت بمجرّد الإدبار، وبحر المعاني الملكوتية التي ترسِّخُ في النّفس السموّ والسكينة ويُفعَمُ القلب بالراحة والهدوء، ويتملّكْ الكيان الإنشراح، فتشعر بكل شيء فيه ومعه يسبّحُ بحمد الله"جلّ جلاله وعَظُمَ شأنه"ولكن لاتفقهُ ذلك إلّا بعد خلوّ الطريق من متعلَّقات ظلمانية المادة وفتاتَ العيش!! وحينئذٍ تتجلى حقيقة آية البحر وسِحرهِ، وحاجة النفس المثقَلة بالآمال والآلام.
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ..} فاطر ١٢
فَهلْ بعد هذا من رصيد؟!.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha