واثق الجابري ||
من الطبيعي جداً أننا وزعنا الفقر بين المحافظات والمكونات، فيكون العدد الأكبر في المكون الأكبر والمحافظات الأكثر سكاناً، إلاّ أن ليس من الطبيعي أن يتركز الفقر في محافظات بعينها، وينخفض في أخرى؛ محافظة فقرها 52% وغيرها 8% ؟!
لا تحتاج بحثاً كثيراً عن أين يكمن الفقر في العراق، ولا المدن التي يستوطن فيها؛ بل يكفيك تطلعاً بسيطاً بأولئك الباعة المتجولين في تقاطعات الشوارع، وسائقي "التكتك" والحمالين في الأسواق وبائعي الأرصفة والباحثات في القمامة والعاملات في معامل الطابوق، أو ترى بائعات الهوى يتباهين بسعر حذاء، أو يتجاوزن على القانون بسياراتهن الفارهة دون رادع وخلافاً للقانون والقيم والأخلاق، أو تعرف الفساد الإداري وغياب التخطيط، ومجتمع يمثل على كل 100 ألف شخص أوكله بالنيابة عنه.
تجذر الفقر في العراق لعقود طويلة، ولا يرتبط بالدخل فحسب، بل بالتعليم والصحة والسكن والخدمات، وينعكس سلباً على من يقعون تحت خطه، والمجتمع الذي يعيش حولهم، ومن ثم على الدولة بصورة عامة، بفقدان خدمات أساسية وحقوق كفلها الدستور ، لتتعدى الفقر الى الظلم المباشر وغير المباشر ، وخيبة أمل كبيرة تفقد الإنسان إنسانيته، عندما يشعر أن الدولة لا تتعامل معه كإنسان!
ثمة مؤشرات للفقر في العراق، إلاّ ان الارقام لا تبدو حقيقية، بين تقديرات ومبالغات ومغالاة وهروب من واقع، ولا تتناسب مع الاحتياجات اليومية للفرد والعائلة، سواء مع الغلاء المحلي والعالمي، أو الاحتياجات التي ولّدها نقص الخدمات كالإنفاق على الكهرباء والتعليم والصحة وخدمات الاتصالات والسكن، أو طبيعة البيئة الخالية من فرص العمل والتي تختلف من مدينة الى أخرى، وتراجع الخدمات أضاف إنفاقات على الفرد في التنقل وشراء الخدمة بأثمان باهضة، وكل العوامل تجعل من هذه البيئة غير متعلمة وغير صحيحة لا تستطيع أن تنتج، وإن انتجت فبأقل أو جزء كبير منه سيذهب لإنقاقات التنقل والسكن بعيدًا عن العائلة.
إن القضايا التي طرأت على الواقع العراقي، وحجم ضحايا الحروب، كلف مناطق كثيرة خسائر من شهداء وجرحى، وهؤلاء إما أيتام قاصرون عن العمل براتب زهيد، أو جرحى ومعاقون لا يكفي راتبهم التقاعدي لشراء الدواء وحاجة الرعاية الصحية، وهكذا اختلف الفقر من محافظة الى أخرى، ومن مدينة داخل المحافظة لغيرها، ووصل الفقر الى نحو 25% من السكان وتقدر اعدادهم 11 مليون عراقي، قرابة 3 ملايين يتلقون منحًا شهرية، من بين 9 ملايين يستحقون المساعدة، والحكومات لا تستطيع استيعاب الاعداد، وما يمنح لا يتناسب مع ما يمنحون، وتصدرت السماوة بنسبة فقر 52% ثم الديوانية 49% ثم الناصرية 44% وبعدها ميسان وبابل.
طبيعي جداً أن ينال ويفقد المكون الأكبر، أكبر الحصص سواء في حجم التنمية المجتمعية، أو مخلفات الظروف وإنعكاساتها على واقع الفقر، لكن ليس من الطبيعي أن يتفوق بالفقر والمعاناة، ويتراجع مستوى تقديم الخدمات والتنمية، في حين أن حصصه السياسية والتنفيذية والتشريعية كبيرة تتناسب مع حجمهم داخل البلد، ولكن كما يبدو أن غياب التخطيط والفساد قد نال قدر أكبر، فأخذ من مساحة التنمية والخدمات ورفع الواقع الإقتصادي، الى تقصير أدى الى فقر لا يتناسب مع عدد السكان والامكانيات البشرية والطبيعية، ولا حتى حجم التضحيات التي قدمت للحفاظ على النظام السياسي.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha