منهل عبد الأمير المرشدي ||
اصبع على الجرح.
كانت البغال تمثل الوسيلة الأولى لنقل البضائع للجيوش العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى بل هي ايضا مخصصة لركوب بعض قيادات تلك الجيوش أي ان البغل آنذاك يمثل سيارة همر او مرسيدس بالوقت الحالي لذلك كانت في المرتبة الأولى من الإهتمام لدى السلطان العثماني .
في مرة انطلقت سفينة شحن من اسطنبول إلى "أم قصر" جنوب العراق محملة بعدد كبير من البغال مرسلة الى قطعات الجيش العثماني جنوب العراق وشمال شرق الجزيرة العراقية . كانت السفينة كبيرة جدا وكان يتم إخبار المسؤول عن إطعام البغال المشحونة على السفينة بواسطة صوت البوق .
فعندما يسمع مسؤول إطعام البغال صوت البوق يبدأ بفرش العلف للبغال . لم يكن مسؤول العلف هو الوحيد الذي فهم إن صوت البوق هو موعد الإطعام للبغال وإنما فهمت البغال كذلك أنه بعد صوت البوق سيأتي الطعام .
وهكذا استمرت السفينة تبحر والبوق يصدح كل يوم مرتين واحدة عند الصباح وأخرى عند غروب الشمس في وقت إطعام البغال . إثناء مرور السفينة في قناة السويس تأخرت بعبورها للقناة عدة أيام ولأن العلف المخصص للبغال محسوب على مدة السفر أدى ذلك لشح في العلف . في محاولة من المسؤول عن الإطعام لتلافي الأمر تم تخفيف علف البغال لمرة واحدة في اليوم . بدأت البغال تجوع وبدأت تخبط بحوافرها أرض السفينة وازداد غضب البغال وازداد هياجها ونهيقها . إنتبه المسؤولون عن السفينة لخطورة الأمر فأجتمعوا لتدارك هذه الكارثة حتى لا تُحدث البغال كسر في السفينة يؤدي لغرقها ..
هنا خطرت للمستشار السياسي للسلطان الذي كان موجودا في الإجتماع فكرة (سياسية) وهي أنه عندما تشعر البغال بالجوع وتهيج يقوم مسؤول الإطعام بإطلاق صوت البوق فتحسب البغال أن الطعام على وشك القدوم فتهدأ . لقد نجحت تلك الفكرة في اقناع البغال وتهدئتهم فكلما هاجت يُطلق صوت البوق فتهدأ واستمرت الرحلة على هذا المنوال .. هياج للبغال .. صوت البوق .. هدوء للبغال .. ثم بعد سويعات هيجان للبغال ... صوت البوق .. هدوء للبغال .. هيجان للبغال .. صوت بوق ... فتات من علف الطعام ... حتى وصلت البغال للعراق وانتهت الرحلة بسلام .
بعد النجاح الساحق لهذه الخطة على بغال الجيش العثماني تم تطبيقها على الشعوب المقهورة .. فعندما تجد الشعوب ضعف في الخدمات وفساد وسرقات بالمليارات وارتفاع في سعر الدولار وغلاء في الأسعار وبطالة وفوضى فتبدأا تلك الشعوب بالغضب والهجيان والصراخ ..
حينها تأتي الأوامر أن أطلقوا الأبواق .. فتبدأ الأبواق تنطلق من هنا وهناك .. تصريحات مطمئنة وأخرى مسكنّة للأعصاب . وعود ووعود ونزول وصعود والخير قادم وسوف وسيكون وسنأمر وسوف نوجه .... تمضي الأيام ومن سيء الى الأسوء . كان سعر الدولار 120 الف مقابل ال 100 دولار جاء الكاظمي وقفز به الى ال 147 الف فأرتفعت الأسعار وغضب الشعب فأنطلقت الأبواق بعد الكاظمي لتهدا الناس .
زال الكاظمي واستبشرنا خيرا فصعد سعر الدولار الى ال157 الف فتعالى صراخ الفقراء وهاج القوم فأنطلقت الأبواق فهدأ الناس فصعد سعر الدولار فوق ال 160 ألف وهلم جرا فإلى اين نحن ذاهبون ولا حل يأتينا سوى الأبواق ..
ومقام الشعب العراقي الصابر المحتسب بمظلوميته عند الله وهو خير مولى وخير نصير والأمثال تضرب ولا تقاس .
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha